لم يكن اغتيال جورج حاوي مجرد اغتيال لشخصية يسارية لبنانية استطاعت القيام بعملية تحول ذات طابع نوعي حولتها إلى شخصية وطنية بكل معنى الكلمة فحسب، بل كان ايضاً اغتيالاً لكل ما هو عربي في داخل المواطن اللبناني. انه اغتيال للبنان المؤمن حقيقة بالانتماء الى العروبة وبأن لبنان جزء لا يتجزأ من هذه العروبة بمعناها المنفتح الذي يتسع لكل القيم الحضارية على رأسها الحرية والديوقراطية.
كان جورج حاوي لبنانياً وفلسطينياً وعربياً في آن. شارك في نضالات "الحركة الوطنية اللبنانية" بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، مع فارق انه استطاع رؤية الإيجابيات والسلبيات والاستفادة منها في تكوين شخصيته المميزة التي مكنته في مرحلة لاحقة من أن يصبح قادراً على محاورة الجميع من دون أن يتخلى يوماً عن احلامه القديمة. انها احلام مرتبطة بانتمائه المبكر إلى الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب الداعي إلى العدالة الاجتماعية والمساواة أولاً.
اكتشف جورج حاوي باكراً المشكلة الأساسية التي كانت تعاني منها الأحزاب الشيوعية العربية. كانت تلك المشكلة مرتبطة بأنها غير قادرة على أن تكون مستقلة عن السياسة السوفياتية، وكان أول ما فعله انه استطاع مصالحة الحزب الشيوعي مع قضايا العرب على رأسها القضية الفلسطينية ومكنه في الوقت ذاته من أن يكون حزباً لبنانياً متفاعلاً مع قضايا البلد ومشاكله عبر تقربه من كمال جنبلاط والحركة الوطنية اللبنانية التي استطاعت منذ مطلع السبعينات اعطاء فكرة عن العلل الأساسية التي يعاني منها المجتمع اللبناني.
كان جورج حاوي قادراً على فهم المعطيات إلى حوار جدي مع "القوات اللبنانية" في محاولة لايجاد مصالحة على المستوى الوطني. وقد تبين لاحقاً ان هذه المصالحة ممنوعة وأن المطلوب في استمرار، من أجل المحافظة على نظام الوصاية السوري أن يكون اللبنانيون فرقاً وطوائف...
لم ييأس جورج حاوي وكان في كل اطلالاته عبر الصحف أو الشاشات التلفزيونية رجلاً مؤمناً بأن لبنان لن يدخل محيطه العربي عصر الديموقراطية والحرية والتعددية السياسية والانتماء إلى العالم. فقد اكتشف جورج حاوي باكراً معنى انهيار الاتحاد السوفياتي وأسباب هذا الانهيار وسعى منذ البداية إلى تحصين الحزب الشيوعي كي لا يكون مجرد ادارة تابعة للمركز الذي اسمه موسكو. ولذلك انصب جهده منذ البداية على ان يكون الحزب حزباً لبنانياً تقدمياً ووطنياً مرتبطاً بالقضايا العربية وبكل ما له علاقة بالنضال العربي. والمؤسف أن جورج حاوي اضطر إلى ترك المواقع القيادية في الحزب عندما اخفق في ذلك وعندما تبين له أن الحزب الشيوعي اللبناني بعد انهيار الاتحاد السوفياتي يفضل أن يكون تحت وصاية معينة، وصاية اقليمية تحديداً...
دفع جورج حاوي ثمن استقلاليته، دفع ثمن حبه للبنان وتعلقه به، دفع ثمن الاعتقاد بأن لا أحد يمكن أن يمس به لأنه ومن موقعه العربي، كان دائماً صادقاً مع الذين دخلوا في حوار معه.
حتى في أيام كان ياسر عرفات الآمر الناهي في بيروت الغربية، هناك شهود على ان جورج حاوي كان بين القلائل الذين تجرأوا على قول بعض الحقائق التي كان يجب أن يسمعها.
دفع جورج حاوي ثمن جرأته. وربما كان أجرأ المواقف التي خرجت عنه، تلك المتعلقة بسورية وسياساتها اللبنانية واللعبة المزدوجة والمكشوفة التي تمارسها خلال قضية مزارع شبعا.
وربما أيضاً دفع جورج حاوي ثمن مواقفه العربية الأصلية على غرار ما حصل مع الشهيد رفيق الحريري والشهيد باسل فليحان والشهيد سمير قصير. انه خيط رفيع اسمه خيط العروبة الصادقة يربط بين كل هؤلاء الرجال الذين تجرأوا على أن يحلموا بلبنان حر وسيد ومستقبل في خدمة قضايا العرب كل العرب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.