يفترض في اللبنانيين عدم الغرق في تفاصيل الانتخابات على الرغم من خطورة بعض الظواهر المتمثلة في نجاح لائحة الجنرال ميشال عون المتحالف مع يتامى المخابرات السورية واللبنانية في المتن وكسروان ـ جبيل. كذلك يفترض ألا يقلقوا من سقوط رجل دولة مثل المهندس نسيب لحود أمام مرشحين يستحي المرء من كتابة أسماء معظمهم أو ذكرها. فنسيب سليم لحود يظل رجلاً من رجال المستقبل الذين يشرّف أي لبناني أن يكون على صلة بهم وأن يتحدث إليهم. يكفي نسيب لحود فخراً أنه حاول مقاومة الظاهرة المرضية التي اسمها "الجنرال" الذي لم يكن من هدف وراء الإتيان به الى لبنان في هذا الوقت بالذات سوى السعي الى إعادة إحياء النظام الأمني السوري ـ اللبناني برموزه المعروفة بغية التغطية على سلسلة الجرائم التي ارتكبت بدءاً بمحاولة اغتيال مروان حماده واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما وانتهاء باغتيال الزميل الشهيد سمير قصير رمز انتفاضة الاستقلال التي شارك فيها اللبنانيون كافة. ربما كان ذنب نسيب لحود أنه درس الهندسة بدل أن يأخذ دروساً في الغوغاء والقصف المدفعي.
في النهاية، لا بد من وضع الانتخابات اللبنانية في إطارها الإقليمي. وليس سراً أن ضغوطاً دولية مورست من أجل إجرائها في موعدها وذلك كي يبقى لبنان على الرغم من الزلزال الذي تعرّض له في 14 شباط الماضي عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري بلداً تُحترم فيه الاستحقاقات الديموقراطية، بدل أن يكون تحت رحمة منفذي الجريمة الذين سعوا الى تأجيل الانتخابات. ولبنان الذي أجريت انتخاباته في موعدها، لا يزال موضع اهتمام المجتمع الدولي بدليل أن لجنة التحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري تعمل بهدوء بعيداً من الأضواء سعياً الى كشف الحقيقة. وهذه الحقيقة لا بد أن تظهر يوماً، وكشفها سيؤدي الى نتائج لن يستطيع الذين يستخدمون حالياً ميشال عون وغيره لتغطية ما اقترفوه من حجبها.
كان المهم أن تجري الانتخابات في موعدها. فهذه الانتخابات أهم حماية للبنان ولاستمرار النظام الديموقراطي فيه في وقت تشهد المنطقة كلها تحوّلات يصعب التكهن بما ستؤول إليه. يكفي، للتأكد من عمق هذه التحولات، الإشارة الى ما يشهده العراق وإيران وسوريا. ففي العراق تتجه الأمور بوضوح الى قيام نظام فيدرالي بعدما انتخب مسعود بارزاني رئيساً لإقليم كردستان حيث يمارس الأكراد حكماً ذاتياً حقيقياً يتجاوز بكثير إقامة ولاية في إطار فيديرالي. ويأتي انتخاب البرلمان الكردي للبارزاني رئيساً تكريساً لحلم كردي قديم. ولا شك أن هذا الحدث يجب ألا يمرّ مرور الكرام من منطلق أنه من أخطر ما تشهده المنطقة حالياً، خصوصاً أنه يعطي فكرة عن عراق المستقبل الذي قد لا يكون بالضرورة بلداً موحداً.
أما إيران، فقد شهدت مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية فيها أحداثاً أقل ما يمكن أن توصف به أنها تصبّ في اتجاه واحد. هذا الاتجاه يتمثل في أن الوضع في البلد لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه على الرغم من كل سطوة رجال الدين وأجهزتهم الأمنية. هناك مجتمع إيراني جديد لا يمكن أن يقبل بالسطوة التي تمارس عليه. ويعكس مدى رغبة المجتمع الإيراني في التغيير صور النساء الإيرانيات اللواتي نزلن الى الشارع في كل مناسبة للتعبير عن الإصرار على التغيير. هل من يريد أن يتذكر كيف رقصت الإيرانيات في الشوارع بعد الإعلان عن وصول فريق كرة القدم الوطني الى دورة كأس العالم رغم أنف رجال الأمن ورجال شرطة الأخلاق؟ شيء ما يحدث في إيران والتغيير سيكون قريباً أو بعيداً لكنه سيحدث وسيكون في الصمت.
بالنسبة الى سوريا، لا حاجة الى الحديث عن مؤتمر حزب البعث وتغيير "الحرس القديم" من دون تغيير العقلية القديمة، بل يكفي الاستشهاد بما قاله أخيراً رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بعد عودته الى أنقرة من زيارة لواشنطن ساهمت في إحياء العلاقة الاستراتيجية الأميركية ـ التركية. قال أردوغان: "إن تركيا لا توافق بأي شكل من الأشكال على الأنظمة القمعية... في هذه المرحلة لا شيء في سوريا يمكن أن تقتدي به تركيا بينما يمكن لسوريا الاقتداء بكثير من الأمور الموجودة في تركيا".
إنها مجرد أمثلة عن أحداث كبيرة في المنطقة إن أكدت على شيء فعلى أن الانتخابات اللبنانية تفصيل صغير على الصعيد الإقليمي، وأن المهم كان أن تجري في موعدها. أما الباقي فتفاصيل في بلد يمر في مرحلة انتقالية لا يمكن أن تنتهي سوى بدخوله عصراً جديداً يتكرس فيه انتصار انتفاضة الاستقلال.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.