أقل ما يمكن أن يوصف به كلام الرئيس العراقي جلال طالباني والسيد عبدالعزيز الحكيم رئيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" عن ضرورة الاستعانة بالميليشيات لحفظ الأمن في العراق بأنه كلام خطير. إنه نوع من الكلام الذي لا يصبّ في مصلحة الاستقرار في البلد في المدى الطويل بمقدار ما هو دعوة مكشوفة الى فرض أمر واقع على العراقيين على غرار الأمر الواقع الذي فرضه النظام البعثي ـ العائلي لأحمد حسن البكر ثم صدام حسين بين 1968 و2003.
لا تعود خطورة كلام طالباني والحكيم الى أنهما يطالبان صراحة بالاستعانة بالميليشيات فحسب، بل الى حصر هذه الميليشيات بتلك التي تضم الأكراد والشيعة تحديداً، أي بالبيشمركة (الأكراد) و"لواء بدر" الشيعي التابع للمجلس الأعلى.
جاء كلام طالباني والحكيم الذي صدر يوم الأربعاء الماضي في وقت هدد ممثلو أهل السنّة بمقاطعة العملية السياسية الهادفة الى صياغة دستور دائم للبلد في حال لم يمثلوا بشكل كافٍ في اللجنة التي تتولى هذه العملية. وهي لجنة منبثقة عن المجلس الوطني (البرلمان) المنتخب في 30 كانون الثاني الماضي. صحيح أن التمثيل السنّي ضعيف، بل ضعيف جداً في البرلمان، وصحيح أن السنّة ارتكبوا خطأ فادحاً عندما قاطعوا الانتخابات. لكن الصحيح أيضاً أن دستوراً جديداً من دون مشاركة حقيقية للسنّة العرب هو بمثابة تأسيس لحروب داخلية معروف كيف تبدأ وليس معروفاً كيف ستنتهي.
في النهاية، لا بد من طرح سؤال بديهي يتلخص بالآتي: ماذا يريد شيعة العراق وماذا يريد الأكراد؟ وهل يمكن التوفيق بين مطالب الشيعة والأكراد من دون تقسيم العراق، ومن دون أن يأتي تنفيذ هذه المطالب على حساب السنّة العرب؟
من الواضح أن الأكراد يريدون كياناً شبه مستقل، ويريدون في الوقت نفسه أن تكون كركوك بما تمثله على الصعيد النفطي جزءاً من هذا الكيان، ولكن ليس معروفاً ماذا يريد الشيعة في العراق باستثناء رفض العودة الى الوضع السابق حين كان العراق محكوماً عملياً من السنّة العرب ومن التكارتة تحديداً تحت غطاء حزب البعث. والحقيقة أن الحزب لم يكن سوى ستارة تتحكم من خلفها عائلة صدام حسين بالبلد مستأثرة بكل خيراته. كان نجلا صدام عدي وقصي، اللذين قتلا صيف العام 2003 في الموصل، يمتلكان نفوذاً يفوق نفوذ أي قائد عسكري كبير أو وزير عراقي. كذلك الأمر بالنسبة الى علي حسن المجيد ابن عم صدام الذي كان يستطيع قتل من يشاء وإغداق النفوذ، أو على الأصح بعض النفوذ، على من يشاء.
من حق الشيعة والأكراد رفض العودة الى مرحلتي البكر وصدام اللتين امتدتا طويلاً. ولكن لا بد من الإشارة الى أن هناك واقعاً جديداً في البلد وأن عهد حكم البعث والعائلة ولّى الى غير رجعة وأن تجاوز تلك التجربة لا يمكن أن يكون بتكرارها على حساب السنّة العرب. نعم لقد لحق ظلم حقيقي بشيعة العراق وأكراده، لكن ذلك لا يبرر في أي شكل تهميش السنّة العرب، لا لشيء سوى لأن هذا التهميش يؤسس لاستمرار الاضطرابات في البلد حتى لا نقول لتقسيم العراق في المدى الطويل.
المؤسف أن الكلام العاقل الوحيد يصدر في هذه المرحلة عن الجانب الأميركي الساعي الى تفادي استبعاد السنّة العرب عن عملية صياغة الدستور الدائم. وفي كل الأحوال آن الأوان كي تطلع أصوات تقول بصوت مرتفع أن مصلحة شيعة العراق، خصوصاً الشيعة العرب، تكمن في تفاهم في العمق مع السنّة العرب وأن المطلوب تفادي إبعاد العراق عن كل ما هو عربي. أكثر من ذلك المطلوب أن تكون هناك خطوات عملية تلي موافقة طالباني الخميس الماضي على إدخال خمسة وعشرين سنيّاً عربياً الى لجنة صياغة الدستور. وباختصار شديد من الأفضل قبل مباشرة صياغة الدستور الاتفاق على مبادئ عامة من بينها أن عراق المستقبل لا بد أن يكون ديموقراطياً وألا تتحكم به طائفة معيّنة أو مذهب معيّن وأن يظل عربياً وأن تكون هناك محافظة على وحدة أراضيه ما عدا ذلك، حتى لو ضمّت لجنة صياغة الدستور خمسة وعشرين سنيّاً عربياً من أصل خمسة وخمسين عضواً فيها، لن تكون هذه اللجنة سوى مسرح لصراعات من نوع آخر تستكمل تلك التي تدور في غير مكان من أرض العراق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.