كان طبيعياً أن يتأجل موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ذلك أن هناك رغبة إقليمية ودولية، ولنقل أميركية تحديداً بتأجيل الانتخابات في انتظار إعادة ترتيب البيت الفلسطيني. والأكيد أن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني لا يمكن أن تتم من دون حصول إعادة ترتيب للأوضاع داخل "فتح".
كانت "فتح" وراء إبقاء القضية الفلسطينية حية. إنها رمز للقضية ورمز لقدرة الشعب الفلسطيني ممثلاً بقواه الحية على الصمود ومتابعة النضال والتكيّف مع المستجدات الإقليمية والدولية التي لا بد من أخذها في الاعتبار إذا كان مطلوباً الوصول الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. دولة قادرة على أن توفر ملاذاً آمناً لكل فلسطيني في أي بقعة من العالم، دولة يستطيع أي فلسطيني أن يفتخر بها. دولة حضارية أولاً وأخيراً وليس دولة متخلّفة. دولة قادرة على إلحاق هزيمة حضارية في إسرائيل بصفة كونها دولة عنصرية. دولة قادرة على القول للعالم إن الشعب الفلسطيني يختلف جذرياً عن تلك الصورة التي أرادت إسرائيل أن تعطيها وهي صورة المسلمين المقنّعين الذين يطلقون النار في الهواء في ظل فوضى السلاح.
كان مفترضاً أن ينعقد المؤتمر العام لـ"فتح" في موعده في 4 آب المقبل، ذلك أن الحركة في حاجة ماسة الى إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وفق برنامج محدد يتولى شباب "فتح" تنفيذه بعيداً عن المزايدات التي يتعرضون لها في هذه الأيام. وبكلام أوضح أن "فتح" في حاجة الى إعادة تجديد شبابها كي يكون هناك أمل في مستقبل فلسطيني أفضل بعيداً كل البعد عن أي نوع من التطرّف أكان دينياً أو إيديولوجياً.
في النهاية تمثل "فتح" الشعب الفلسطيني بكل فئاته. إنها حركة تضم متديّنين وتضم علمانيين، تضم مسلمين وتضم مسيحيين، تضم غزاويين وتضم ممثلين حقيقيين للضفة الغربية وممثلين لأولئك الذين أُخرجوا من فلسطين في العام 1948. إن "فتح" اختصار للشعب الفلسطيني وحركته التي لم تتوقف من أجل تحقيق الأهداف الوطنية بعيداً عن الشعارات التي لا علاقة لها بالواقع.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن تأجيل مؤتمر "فتح" يمكن أن يكون قراراً إيجابياً في حال تبيّن أن الهدف منه أخذ الوقت اللازم لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني. وهذا يعني أولاً أن لا بدّ من أن تكون هناك استراتيجية فلسطينية تستند أول ما تستند الى فكرة ما يمكن عمله وما يجب تجنبه في المرحلة المقبلة... وكل ما عدا ذلك غرق في دوامة لا مجال للخروج منها. إنها دوامة العنف والعنف المضاد التي يسعى آرييل شارون الى أن تدوم الى ما لا نهاية كي يكرّس احتلال إسرائيل لجزء من الضفة الغربية، عن طريق إقناع العالم، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا بأن الشعب الفلسطيني لا يريد السلام.
يمكن توظيف تأجيل مؤتمر "فتح" بطريقة إيجابية في حال حصل نقاش هادئ في شأن ما يجب عمله مستقبلاً. وهذا الأمر ممكن إذا كان هناك من يريد أن يفكر في الإيجابيات التي تحققت في الأشهر الأخيرة منذ تولي السيد محمود عباس (أبو مازن) القيادة. وكل ما يمكن قوله في هذا المجال إن الهدنة مع إسرائيل زادت من عمق مأزق آرييل شارون. أكثر من ذلك، أن هذه الهدنة أدت الى تحقيق إنجاز ضخم يتمثل في إعادة العلاقات بالإدارة الأميركية وفي زيارة "أبو مازن" لواشنطن. وكان هدف شارون منذ البداية إيجاد قطيعة أميركية ـ فلسطينية كي لا يكون هناك صوت آخر في واشنطن غير صوته.
لا مفر في المرحلة المقبلة من البناء على ما حققه "أبو مازن". لكن لا بد من التفكير في تطوير الإيجابيات التي تحققت. وهذا يتطلّب قبل كل شيء أن تجدد "فتح" شبابها، وذلك لا يكون باللجوء الى العناصر الشابة في الحركة فحسب، بل بالتفكير في استراتيجية جديدة أيضاً. انها استراتيجية تقوم على فكرة أن المعركة مع إسرائيل ذات طابع حضاري أولاً. والانتصار على إسرائيل لا يكون إلا بكشف الحقيقة العدوانية لهذه الدولة. والأكيد أن ذلك ليس ممكناً من دون إعادة الحياة الى "فتح". "فتح" التي عرفناها، "فتح" الوجه المشرق للشعب الفلسطيني وليس "فتح" لابسي الأكفان والمتباهين بالعمليات الانتحارية!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.