كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري زعيماً وطنياً. وكان هذا اللقب الأحب إلى قلبه. لم يفرق الرجل الكبير يوماً بين طائفة وأخرى خلافاً لما كان يقوله الحاقدون الذين كان أكثر ما يضايقهم في شخص رفيق الحريري قدرته على جعل النجاح رفيقاً دائماً له في حلّه وترحاله.
كرّس رفيق الحريري زعامته الوطنية في انتخابات العام 2000 عندما لم يعد هناك مجال لاستمرار وضع كهذا. ان هذا شأن الذين أصيبوا بالعمى السياسي وهو أمر لا يعمي العيون فحسب، بل يعمي القلوب أيضاً. وكان هذا العمى وراء الاعتقاد بأن التخلص من رفيق الحريري مسألة سهلة وان اللبنانيين ومعهم العالم سينسون الموضوع برمته في غضون أسبوع أو أسبوعين. ألم يحصل ذلك بعد سلسلة الاغتيالات التي طاولت زعامات وشخصيات لبنانية، من مختلف الطوائف بدءاً بالشهيد كمال جنبلاط.
ما حصل في بيروت يوم 29 أيار 2005 لم يكن مجرد تذكير للمجرمين الذين اغتالوا رفيق الحريري، أو الذين خططوا لذلك وحرضوا عليه، بأن اللبنانيين مصرّون على معرفة الحقيقة وان دم الرجل لا يمكن ان يذهب هدراً. ما حصل هو ان بيروت كلها أرادت تكريس سعد رفيق الحريري زعيماً وطنياً كي يكمل المشروع السياسي الذي بدأه والده. ذلك المشروع الذي أعاد الحياة الى قلب لبنان المتمثل في بيروت تمهيداً لإعادة الحياة الى كل لبنان من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال ومن أعلى قمة في جبل لبنان الى أبعد قرية في البقاع.
أرادت بيروت التي صوّتت للوائح رفيق الحريري وأعطت أكبر عدد من الأصوات لسعد الحريري ان تبلغ كل من يعنيه الأمر رسالة واضحة كل الوضوح فحواها ان للبنان زعيماً وطنياً من النوع القادر على الجمع بين "القوات اللبنانية" و"حزب الله" والحزب التقدمي الاشتراكي. انه تكريس لوجود هذه الزعامة الوطنية التي أعادت لبنان مجدداً الى خريطة الشرق الأوسط بعدما كان الى ما قبل فترة قصيرة لبنان ـ الساحة. انها عملية انتقال من "ساحة" الى وطن قادر على أن يكون حاضنة لأبنائه كل أبنائه من أي طائفة أو مذهب أو منطقة. هذه هي المعجزة التي حققها رفيق الحريري وهي بمثابة رسالة استطاع سعد الحريري أن يكون في مستواها وأن يكون قادراً على حملها. انها رسالة النجاح والقدرة على الخروج من دائرة التقوقع وربط لبنان، كل لبنان بالعالم. ومثل هذه الرسالة يحملها ولا يتحملها الا الكبار الكبار. ولذلك لم يجد الذين أرادوا النيل من سعد رفيق الحريري سوى الصغائر يلجأون اليها وهم لا يدرون أن صغائر الصغار لا يمكن الا ان ترتد عليهم.
يبقى ذلك "الجنرال" الذي لم يرتكب في حياته سوى الأخطاء السياسية من منطلق أنه عسكري في السياسة وسياسي عندما يتطلب الأمر منه اتخاذ قرارات عسكرية، ألم يأت أوان تقاعده من كل شيء فيعيش هانئاً في الوطن الذي أعاد بناءه رفيق الحريري بدل الاستمرار في لعب دوره المفضل، كأنه دور الأداة في يد الأجهزة السورية واللبنانية، أداة من حيث يدري أو لا يدري والأرجح انه لا يريد ان يدري كي لا يضطر الى التوقف عن الكلام والاعتذار من البطريرك صفير الذي سعى الى المس بكرامته في العام 1989 و1990، أي في تاريخ لم يمر عليه الزمن...
تتقدم قافلة سعد الحريري تماماً مثلما كانت تسير قافلة رفيق الحريري، على خطى التأسيس للبنان في حجم طموحات اللبنانيين، ذلك اللبنان الذي عرف عبر انتخابات بيروت كيف يكون وفياً لرفيق الحريري وزعامته الوطنية وكيف يرتفع الى مستوى ما كان يمثله ذلك العظيم الذي ترك في حلق كل منا غصة تدفعه الى ان يتذكر يومياً ان زعامة رفيق الحريري التي يجسدها حالياً سعد الحريري لا يمكن ان تموت ما دام هناك شرفاء في لبنان!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.