كانت زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية للعراق في غاية الأهمية خصوصاً أن رايس جاءت لتؤكد أنه لا يمكن تجاهل السنّة العرب كشريك في صياغة الدستور العراقي الجديد. وهذا الدستور سيكون معمولاً به مستقبلاً، أي بعد انتهاء ولاية المجلس الوطني الذي انتخب في 30 كانون الثاني الماضي في غضون سنة من تاريخ حصول الانتخابات.
جاءت رايس لتقول، ولو متأخرة، إنه يجب أخذ العلم بأن العراق الجديد لا يمكن أن يقوم على خلل في التوازن. وكان بين الأمور التي طرحتها تأجيل محاكمة صدام حسين ولو بضعة أسابيع أو أشهر وذلك بهدف التخفيف من موجة العنف التي تقف خلفها تنظيمات سنية متطرفة. كذلك جاءت رايس لتقول ان الادارة الأميركية تمتلك مشروعاً سياسياً للعراق وأن الديموقراطية التي تنادي بها لا يمكن أن تعني انتقال العراق من ديكتاتورية النظام البعثي ـ العائلي إلى ديكتاتورية هيمنة طائفة معيّنة على البلد بحجة أنها تمتلك "الأكثرية"، علماً بأن موضوع "الأكثرية" في العراق يمكن أن يطول ويطول. وفوق ذلك كله، يمكن تصوّر أن وزيرة الخارجية الأميركية جاءت لتؤكد أنه لولا الحملة العسكرية الأميركية لما سقط النظام العراقي ولكان بقي سنوات أخرى في السلطة بفضل قدرته على ممارسة القمع بسبب الآلة العسكرية والأمنية التي كان يمتلكها. وهذا يعني أنها هي التي حررت الشيعة والأكراد ولا أحد سواها.
لكن الزيارة الأهم لبغداد، كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني الدكتور كمال خرازي وهي الأولى من نوعها التي يقوم بها مسؤول في هذا المستوى منذ سقوط حكم الشاه في العام 1979.
جاء خرازي ليقول ان لإيران أيضاً مشروعها السياسي في العراق، والحقيقة أنه يستطيع قول مثل هذا الكلام في ضوء خروج الدكتور أياد علاوي من رئاسة الحكومة وحلول السيد ابراهيم الجعفري مكانه وتولي السيد جلال طالباني رئاسة الجمهورية. فالجعفري، على الرغم مما يقال عن حساسية ما لديه حيال طهران، كان لاجئاً في إيران قبل سقوط نظام صدام حسين. أما طالباني فهو مدين للنظام الايراني الذي مكّنه من الوقوف في وجه مسعود بارزاني لدى حصول المواجهة العسكرية بين الحزبين الكرديين الكبيرين منتصف التسعينات. وإذا عدنا إلى التاريخ السياسي لطالباني لوجدنا أنه كان دائماً على علاقة طيبة بطهران منذ العام 1979 بل كان رجلها في الوسط الكردي العراقي.
تستطيع إيران الاستفادة من عوامل كثيرة بينها الحرب الأميركية على العراق التي صبت في خدمة مصالحها وأوصلت كل حلفائها ورجالها إلى مواقع أساسية في العراق. حيث "لواء بدر" وهو ميليشيا شيعية تابعة لـ"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" صار في الأراضي العراقية، و"لواء بدر" كان قبل ذلك في إيران وعناصره إيرانية وعراقية وقد أشرف على تدريبه "الحرس الثوري". وليس سراً أن إيران كانت الوحيدة في المنطقة التي أيدت الحرب الأميركية على العراق ليس من منطلق أن سقوط نظام صدام حسين سيكون انتقاماً تاريخياً لها فحسب، بل ان أي عراق جديد سيكون منطقة نفوذ إيرانية متى حطمت الولايات المتحدة المؤسسة العسكرية العراقية. وهذا ما فعلته بعد أسابيع من دخول بغداد حيث اتخذ بول بريمر الحاكم العسكري للعراق قرار حل الجيش العراقي.
في ظل الغياب العربي عما يدور في العراق، وبعدما دفعت ايران في اتجاه إيجاد جو عدائي مع الأردن، أمكن تخفيفه نسبياً بفضل السياسة الهادئة التي اتبعتها عمان، كان لا بد لخرازي أن يأتي إلى بغداد خصوصاً أن المحسوبين على إيران في كل مكان. وبين هؤلاءالسيد أحمد الجلبي الذي عرف كيف يحافظ على رأسه وأن يعود إلى موقع يستطيع من خلاله خدمة السياسة الايرانية من جهة والقول للأميركيين أنهم لا يستطيعون الاستغناء عنه من جهة أخرى.
يبقى السؤال الأساسي هل في استطاعة الادارة الأميركية عمل شيء في مواجهة المشروع الايراني للعراق، أم عليها قبول الأمر الواقع حتى لو أدى ذلك إلى سقوط المشروع الخاص بها؟... أم أن الولايات المتحدة تعتبر في النهاية أن معركتها مع النظام الحالي في إيران معركة بعيدة المدى وأن المواجهة مع هذا النظام ستبدأ عملياً في مجلس الأمن بعد نقل الملف النووي الايراني إليه؟ في كل الأحوال لم يفت طهران عبر زيارة خرازي لبغداد توجيه رسالة إلى كل من يهمه الأمر، خصوصاً في واشنطن، أن العراق ساحة من الساحات التي تستطيع أن تلعب فيها وأن لديها أوراقها المتنوعة هناك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.