8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الجانب الفلسطيني والهدنة التي أربكت إسرائيل

تشن اسرائيل هذه الأيام حملة نفسية على الجانب الفلسطيني ومرد هذه الحملة أن ارييل شارون يواجه وضعاً داخلياً صعباً ساهمت فيه الى حد كبير الهدنة التي التزمتها الفصائل الفلسطينية في الأشهر القليلة.
أدت هذه الهدنة إلى حمل شارون على مواجهة استحقاقات حقيقية تبين في النهاية انه غير قادر على أن يكون في مستواها. وبين هذه الاستحقاقات القرار القاضي بالانسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستعمرات المقامة فيه. واذا به يؤجل موعد الانسحاب إلى منتصف آب المقبل بدل العشرين من تموز وذلك بحجة انه "لا يريد المس بمشاعر اليهود المتدينين الذين يكونون في العشرين من تموز في حال حداد على خراب الهيكل. والحقيقة أن الموضوع ليس موضوع خراب هيكل بمقدار ما هو موضوع سياسة تخريبية.
في النهاية ستنسحب اسرائيل من غزة حتى لو أجل شارون الموعد مرة أخرى وحتى لو قال وزير خارجيته سلفان شالوم ان فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية سيؤدي الى تراجعها عن تنفيذ خطوة الانسحاب. كل ما في الأمر أن الهدنة أربكت الاسرائيليين كما أربكهم تأكيد المسؤولين الأميركيين والأوروبيين "أن السلطة الوطنية الفلسطينية احرزت تقدماً كبيراً في مجالات عدة خصوصاً الأمني منها وهي تسير بخطى كبيرة نحو الاصلاح". وقد وردت هذه العبارة في التقرير الأخير الذي صدر عن اللجنة الرباعية المكلفة مراقبة تطبيق "خريطة الطريق".
ليس كافياً أن يستمر التزام الجانب الفلسطيني بما في ذلك "حماس" بالهدنة، وليس كافياً ان تتوقف العمليات الانتحارية التي لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى المآسي، بل ثمة حاجة الى التفكير في المستقبل بطريقة مختلفة. وأول ما يفترض التفكير فيه هو كيفية الاستفادة من كون السيد محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية استطاع اعادة مد الجسور مع الادارة الأميركية.
وفي هذا المجال لا بد من العمل على تطوير العلاقة مع واشنطن بدل وضع العراقيل في وجه "ابو مازن" المعروف بأنه يكره المماحكات التي تدفعه الى الشعور بالملل بما يؤدي الى الاعتكاف.. والأكيد أن هذا التصرف ليس نقطة قوة في شخصية الرئيس الفلسطيني.
يقول غير ديبلوماسي اوروبي على اطلاع على الأوضاع الداخلية في اسرائيل ان رئيس الوزراء يواجه مشاكل حقيقية مع المتطرفين اليهود وهو يخشى بالفعل حرباً اهلية في حال اصراره على تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة. لكن الديبلوماسيين يقولون ايضاً ان لا خيار امام شارون سوى تنفيذ الانسحاب نظراً الى أنه اعطى وعداً قاطعاً بذلك الى الرئيس بوش الابن... وسينفذ هذا الوعد عاجلاً ام آجلاً.
ليس امام الجانب الفلسطيني سوى الصبر من جهة وعدم السقوط في فخ الاستفزازات الاسرائيلية من جهة أخرى، فشارون يعرف جيداً ان "ابو مازن" لا يمكن أن يصطدم بـ"حماس" وان ما يطلبه منه لجهة نزع سلاحها انما هو دعوة الى حرب اهلية فلسطينية لا يمكن لشخص عاقل ان يقبل الدخول فيها. اما وزير الخارجية الاسرائيلي، فانه لا يستهدف من تصريحه الأخير عن امكان التراجع عن الانسحاب من غزة في حال فوز "حماس" في الانتخابات سوى توسيع الهوة القائمة بين "فتح" والحركة الاسلامية في مرحلة ما بعد الانتخابات البلدية التي أجريت أخيراً وفيما الاستعدادات على قدم وساق للانتخابات التشريعية في تموز المقبل.
لعل افضل ما يقوم به الجانب الفلسطيني، اضافة الى التزام الهدنة طبعاً، ترتيب الأوضاع الداخلية وكأن الانسحاب من قطاع غزة حاصل غداً. وهذا يعني اول ما يعني المباشرة جدياً في البحث في كيفية القضاء على فوضى السلاح التي جعلت العالم يصدق شالوم عندما قال: ان اسرائيل ترفض ان تكون غزة "دولة حماستان".
يبدو الجانب الفلسطيني امام امتحان أساسي. إما أن يثبت منذ الآن انه قادر على تحويل الانسحاب من غزة نقطة انطلاق لتحرير الضفة الغربية لاحقاً، وإما أن يتكفل بنشر الفوضى في القطاع. عندئذ سيشكل الانسحاب منه خطوة على طريق استكمال اسرائيل بناء "الجدار الأمني" الذي لا هدف منه سوى تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
ان التعاطي مع الانسحاب الاسرائيلي ـ يبدأ اليوم والبداية واضحة الى أبعد الحدود. لا حاجة إلى تجريد "حماس" من سلاحها، لكن الحاجة إلى جعل هذا السلاح في خدمة المشروع السياسي الفلسطيني الواقعي الذي انتخب على أساسه محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية. من دون ذلك، يخشى ان تذهب جهود "ابو مازن" هباء وأن يصل الجانب الأميركي، وهو الوحيد القادر على وقف "الجدار الأمني" إلى قناعة فحواها أن التسوية في الضفة الغربية يمكن تأجيلها سنوات أخرى، سنوات تسمح لارهابي مثل ارييل شارون بخلق واقع جديد على الأرض على حساب شعب اسمه الشعب الفلسطيني لم يعرف حتى الآن سوى الظلم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00