8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رهبة المكان والوضوح الفلسطيني المطلوب

كم يبدو مضحكاً، حتى لا نقول مبكياً، مشهد التنظيمات الفلسطينية المجتمعة في القاهرة لمناقشة ما إذا كان مطلوباً التوصل الى هدنة مع إسرائيل أو الى مجرد وقف للنار. باستثناء "حماس"، ليس لدى هذه التنظيمات التي تتفاوض في الواقع مع "فتح" ثقل يذكر. كل ما في الأمر ان هناك رجالاً يبحثون عن ادوار يتكلمون بطريقة تذكر بالستينات والسبعينات وبداية الثمانينات لا أكثر ولا أقل. والمؤسف ان ليس بين الذين يتحاورون مع "فتح" رجل قادر على ان يقف أمام المرآة ويسأل نفسه: اين نحن؟ السنا في القاهرة؟ وما الذي اعادنا الى القاهرة؟ هل هو تطور التاريخ أم انها الجغرافيا التي تجعل من مصر طرفاً مباشراً مهتماً بايجاد مخرج لإسرائيل والفلسطينيين في آن. ان المخرج المطلوب الذي يفيد الاستقرار في المنطقة، التي لا يمكن تجاهل ان مصر تعتبر جزءاً منها، يتلخص بعدم تحول قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل منه بؤرة توتر خارجة عن سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية.
هدنة أو تهدئة ليس ذلك ما هو مطلوب في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر فيها الشرق الأوسط، ما هو مطروح بكل بساطة وجود استراتيجية فلسطينية بعيدة كل البعد عن المزايدات وتقترب من الواقع ومعطياته الحقيقية، أي تأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية والدولية. وما عدا ذلك مضيعة للوقت ودخول في حلقة مفرغة لا تؤدي سوى الى الدخول في لعبة اسمها مزايدة لكل فصيل على الآخر عبر الفضائيات العربية، حتى بات الظهور على هذه الفضائيات والإدلاء برأي أو تصريح هدفاً بحد ذاته!
إذا احترم الفلسطينيون الذين يمثلون مختلف الفصائل المكان الذي يجتمعون فيه للبحث في خلافاتهم، توجب عليهم ان يأخذوا في الاعتبار أولاً ان مصر هي الدولة العربية الأولى التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، وان هذا الاتفاق الذي سمح لها باستعادة أراضيها المحتلة انما هو نتاج مدرسة سياسية معينة لم يعد في الإمكان تجاهلها. انها مدرسة الواقعية التي في استطاعة المرء ان يكون ضدها أو معها. ولكن ليس في استطاعة من يريد ان يكون صادقاً مع نفسه الذهاب الى القاهرة والاجتماع فيها مع أطراف فلسطينية اخرى وبرعاية مصرية من أجل الدخول في لعبة المزايدات التي لا طائل منها. وبكلام أوضح ليس هناك شيء اسمه التفاوض من أجل التفاوض في مرحلة تستعد فيها إسرائيل للخروج من غزة فيما يتابع ارييل شارون بناء "الجدار الأمني" الهادف الى فرض أمر واقع جديد يتمثل في ضم أجزاء من الضفة الغربية الى إسرائيل.. أي تكريس الاحتلال.
ما يستطيع المجتمعون في القاهرة عمله، هذا إذا كانوا جادين في الوصول الى نتائج، الاعتراف أولاً بأن الانتخابات التشريعية الفلسطينية هي من ثمار اتفاق أوسلو وان "حماس" لا يمكن ان تكون صادقة مع نفسها ومع مؤيديها إذا لم تعترف بأن لأوسلو سلبيات لكنه ايضاً مليء بالايجابيات وانه لولا أوسلو لما عاد ياسر عرفات الى أرض فلسطين ولما دفن فيها ولما كانت هناك شرطة فلسطينية ولما كان هناك سلاح فلسطيني. ان أوسلو سمح بتسليح "حماس". وللأسف الشديد أرتد السلاح الفلسطيني على الفلسطينيين لانه لم يُحسن استخدامه ولم يوظف في السياسة كما يجب بل وُظف في محاولات تستهدف ضرب السلطة الوطنية وإضعافها بعيداً عن كل منطق.
ان رهبة المكان الذي اسمه القاهرة تفرض على الفصائل الفلسطينية تناسي الحسابات التي لا تمت بصلة لمصلحة الشعب الفلسطيني بما في ذلك العمل من أجل هذا الطرف الإقليمي أو ذاك.
على هذه الفصائل تذكر أن ليس أمامها سوى طريق واحد هو الطريق المؤدي الى وضع نفسها في تصرف استراتيجية سياسية واضحة تعتمدها السلطة الوطنية الفلسطينية بعيداً كل البعد عن فوضى السلاح.
اما مسألة المشاركة في صنع القرار الفلسطيني، فيمكن ان تكون ظاهرة صحية إذا كان المطلوب تسهيل مهمة السلطة الوطنية وقيادة منظمة التحرير بدل ان تكون المشاركة مجرد وسيلة لتعطيل القرار الفلسطيني. وإذا كان هناك في "حماس" أو خارج "حماس" من يريد الاعتراض على هذا التوجه، كل ما عليه ان يفعله ان يسأل نفسه: لماذا نحن في القاهرة وليس في أي مكان آخر؟ لماذا لسنا في دمشق أو في طهران؟ ما الذي يمكن ان نفعله من دون الدعم المصري والضيافة المصرية؟ هل نستطيع ان نذهب الى أبعد من إرسال مندوبين الى بيروت ليعلنوا مسؤولياتهم عن عمليات معينة لمجرد الادعاء ان لا علاقة لهذه الدولة العربية أو غير العربية بالعملية من قريب أو بعيد؟
بعض الحياء يبدو ضرورياً هذه الأيام، انه يؤدي في النهاية الى الوضوح في الرؤية. ومن دون وضوح لن تكون دولة فلسطينية لا في القريب ولا في البعيد...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00