لا مصلحة فلسطينية في مقاطعة أي مؤتمر دولي خصوصاً عندما يكون هذا المؤتمر منعقداً في الولايات المتحدة ويكون مكرّساً للمساعدات التي تقدّمها الدول المانحة. بكلام أوضح ان الوقت ليس وقت اتخاذ المواقف التي لا تعود على الشعب الفلسطيني سوى بالضرر. على العكس من ذلك، يُفترض في السلطة الوطنية الفلسطينية تجاوز كل التحفظات التي صدرت عن بعضهم في شأن مؤتمر المانحين والذهاب إلى الاجتماع بهدف واضح محدد هو تأكيد أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى مساعدات وأن المساعدات ستُصرف بإشراف دولي وبأسلوب تغلب عليه الشفافية. والأهم من ذلك كله، لا بد من العمل مجدداً على وضع الأمور في نصابها، أي تأكيد أن الشعب الفلسطيني هو الضحية وليس العكس.
هذا الوقت ليس وقت المماحكات بين "أبو عمار" وخصومه داخل الحكومة وخارجها. بل وقت التفكير جدياً في الأسباب التي أدت إلى وصول الوضع الفلسطيني إلى ما وصل إليه. وفي هذا السياق لا يمكن إلا شكر الدول والأطراف التي تشارك في مؤتمر المانحين لأنها قبلت عقد اجتماع لها، أي أنها لم تنس الشعب الفلسطيني كما يرغب في ذلك رئيس الوزراء ارييل شارون. ومن هذا المنطلق لا بد من جعل التفكير يتركز على الاستفادة من مؤتمر المانحين وإقناع المشاركين في تصحيح أي اعوجاج سياسي من النوع الذي يشكو منه السيد أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني بدل ترك الساحة لاسرائيل والذين يرددون خلفها أن لا شريك يمكن التفاوض معه في الجانب الآخر.
ولكن أبعد من مؤتمر المانحين، لا مفر في الذكرى الثالثة لأحداث 11 أيلول 2001 من طرح الأسئلة الكبيرة، على رأس الأسئلة لماذا دفع الشعب الفلسطيني ثمن العمل الارهابي المدان الذي استهدف نيويورك وواشنطن في حين أنه شريك حقيقي في مقاومة الارهاب الذي يمارسه ارييل شارون ومن لفَّ لفه. ان شارون الذي يمارس ارهاب الدولة بإصراره على احتلال الأرض العربية والفلسطينية ويمارس فوق ذلك ارهاب العصابات وقطاع الطرق بقتله الأطفال والنساء والأبرياء... فأين المنطق في أن يُعامل بصفة كونه شريكاً في الحرب الأميركية على الارهاب؟ الجواب بكل بساطة هو أننا نعيش في عالم اللامنطق وأن لا مفر من التعامل معه.
متى استطاع الفلسطينيون الاجابة عن مثل هذا السؤال يصير ممكناً الحديث عن المستقبل بطريقة مختلفة وتصوّر أن في الامكان الخروج من الوضع الراهن. قبل كل شيء لم تكن هناك سياسة فلسطينية واضحة خلال قمة كامب ديفيد صيف عام 2000. ومنذ القمة التي شارك فيها ياسر عرفات مع الرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك ايهود باراك والوضع الفلسطيني في تراجع مستمر، وجاءت أحداث 11 أيلول 2001 لتكرّس هذا التراجع، بل لتزيده في اتجاه الأسوأ بعدما تكرّست القطيعة بين "أبو عمار" والبيت الأبيض.
لا شك في أن الزعيم الفلسطيني يتحمّل مسؤولية كبيرة جرّاء الذي حصل وذلك لثلاثة أسباب على الأقل. الأول عدم قدرته على إقناع العالم بأنه ليس مسؤولاً عن فشل قمة كامب ديفيد والثاني أنه أقنع العالم بأنه وراء قرار عسكرة الانتفاضة والثالث عدم إدانته للعمليات الانتحارية بما يتجاوز البيانات والتصريحات. كان عليه القول بالفم الملآن أن هذه العمليات ينفذها عملاء لشارون ولا يكتفي بقول هذا الكلام في مجالسه الخاصة حيث كان يصيح بعد كل عملية "عملوها... الجواسيس".
يسير الوضع الفلسطيني من سيئ إلى أسوأ. وليس في استطاعة الفلسطيني الاتكال على أحد، إلا إذا كان يعتقد بأن روسيا التي تمتلك حق النقص (الفيتو) في مجلس الأمن ستهب إلى نجدته. ولو كانت على استعداد لذلك لما ذهب وزير خارجيتها قبل أيام إلى اسرائيل ليوقع معها اتفاقاً له علاقة بمكافحة الارهاب، من دون المرور على ياسر عرفات في رام الله... أقله من أجل السلام.
الأكيد أن موقف كثيرين من العرب ليس أفضل من الموقف الروسي، لذلك لا مفر من تفادي المزايدات والحديث عن طلب تأجيل مؤتمر المانحين أو الدعوة إلى مقاطعته. هناك حاجة إلى استغلال أي لقاء دولي لإعادة بناء شبكة العلاقات الدولية للسلطة الوطنية الفلسطينية بعيداً عن الكلام الفارغ الذي يصدر بين الحين والآخر عن ضرورة تطبيق "خريطة الطريق". ان ما ينفع الحانب الفلسطيني عموماً في هذه المرحلة يتلخص بتأكيد أن لا بد من الاعتراف بأن القضية تعرّضت لانتكاسة كبيرة وأن تجاوز الانتكاسة لا يكون إلا بالعودة إلى التواضع في كل ما له علاقة بالتصرّفات والتصريحات، ومن فوائد التواضع أنه يساعد في قلب صورة الفلسطيني في العالم من لابس كفن يسعى إلى قتل الآخرين والانتحار على طريقة الذين نفذوا عملية مدرسة الأطفال الأخيرة في روسيا، إلى مقاتل يتشبث بأرضه على استعداد لمواجهة الدبابة الاسرائيلية بجسده العاري.
إن الانتصار على النفس هو أول ما يحتاجه الفلسطيني في هذه الأيام في عالم ظالم لا يريد أن يفهم أن الاحتلال ذروة الارهاب. وأن الشعب الفلسطيني الذي قبل التخلي عن حقوقه التاريخية في أرض فلسطين كلها لا يريد سوى ممارسة حقه في العيش الكريم مثله مثل أي شعب في العالم... ولو على جزء من أرضه!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.