8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا على العرب مساعدة السودان؟

يمكن لقضية إقليم دارفور السوداني ان تجرجر طويلاً وذلك لأسباب كثيرة. في مقدم هذه الأسباب القدرات المحدودة للسلطات السودانية التي لا تمتلك الوسائل الكافية لتنفيذ المطلوب منها بموجب قرار مجلس الأمن الذي دعاها الى تجريد عناصر ميليشيات الجنجويد من اسلحتها قبل نهاية الشهر الجاري.
لا شك في ان غياب الموقف العملي للمجموعة العربية من قضية دارفور يفتح الباب على مصراعيه أمام تدخلات أجنبية في السودان، ولذلك كان على وزير الخارجية البريطاني جاك سترو القيام بزيارة للسودان قبل أيام للاطلاع بنفسه على الأوضاع في دارفور والتأكد مما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. وكان الوزير واضحاً في عدم حماسته لإرسال قوات أجنبية الى دارفور. كذلك شهدت العاصمة النيجيرية ابوجا مشاورات افريقية استهدفت البحث في احتواءالوضع في دارفور. والى الآن يبدو ان هذه المشاورات لم تؤد الى نتيجة وان الضغوط الدولية ستزداد على السودان في المرحلة المقبلة.
يبدو ان السلطات السودانية على علم بأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ستستمر في استخدام ورقة دارفور. واللافت ان الحملة الإعلامية على السودان مستمرة، كذلك الجهود لتعبئة الرأي العام في اتجاه التحريض على السودان من منطلق ان السلطات فيه تتحمل مسؤولية المجازر التي تشهدها دارفور. وربما كانت هذه الاعتبارات دفعت الخرطوم الى اغلاق سفارتها في واشنطن وذلك بعدما بدا ان هناك من ينوي حشد متظاهرين قبالتها على نحو مستمر للتذكير بأن أهالي دارفور يتعرضون لمجازر.
حاولت المجموعة العربية في الاجتماع الأخير لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية دعم السودان. وكان البيان واضحاً لجهة رفض أي تدخل أجنبي في الشؤون السودانية ورفض إرسال قوات دولية الى دارفور. ولكن يبقى ان على العرب الاقدام على خطوة اخرى في اتجاه مساعدة السودان. وتتلخص هذه الخطوة بمساعدة الجيش السوداني في إرسال قوات الى دارفور لضبط الوضع في الإقليم بطريقة تقطع الطريق على المزايدات الدولية.
وبكلام أوضح على العرب تقديم معدات الى الجيش السوداني لضمان وصول قوات كافية الى دارفور نظراً الى ان هذا الجيش ليس قادراً على ذلك من دون مساعدة خارجية.
في هذه الأيام التي زاد فيها دخل عدد لا بأس به من الدول العربية بسبب ارتفاع أسعار النفط، لا بد من التفكير في تخصيص مبلغ معقول لمساعدة السودان في السيطرة على الأوضاع في إقليم دارفور نظراً الى أن التدخل الخارجي في هذا الإقليم يشرع الأبواب أمام مخاطر كبيرة تهدد وحدة البلد. ولكن يفترض في أي خطوة عربية في اتجاه السودان ان تأخذ في الاعتبار أن الأوضاع في دارفور نفسها في غاية التعقيد، ذلك انه ليس صحيحاً تماماً ان القبائل العربية التي تلقى دعماً من الخرطوم تبطش بالقبائل غير العربية. نعم هناك مجازر ارتكبت ولكن هناك تداخل بين قبائل المنطقة بغض النظر عمّا إذا كانت عربية أو غير عربية، كما ان هناك خلافات قديمة بينها لا علاقة لها بالأصول العربية. أضف الى ذلك ان هناك قوى إقليمية تعمل دائماً لتأجيج الخلافات في دارفور وذلك من أجل منع السودان من استعادة استقراره. وما يؤكد ذلك أن تسليط الأوضاع على ما يجري في دارفور حال دون التوصل الى اتفاق بين الحكومة السودانية والمتمردين في الجنوب بزعامة العقيد جون قرنق. وحتى الآن لا تزال الجهود الهادفة الى توقيع الاتفاق معلقة نظراً الى ان الكل ينتظر ما ستؤول اليه الأوضاع في دارفور.
إن خطوة في اتجاه تمكين السودان من التحكم بأوضاع دارفور تشكل أفضل خدمة يؤديها العرب لأنفسهم، ولكن على السلطات السودانية ان تحزم أمرها وتوحد قرارها، فلا يبقى قرار للرئيس والأجهزة الأمنية التي يتحكم بها، وآخر للفنيين الذين يعرفون جيداً ان هناك خطراً على البلد إذا لم يحسن التعامل مع القرار الأخير لمجلس الأمن، وقرار ثالث للقوات المسلحة التي عرف أنصار الدكتور حسن الترابي كيف العمل في صفوفها فجعلوها حزباً إسلامياً متطرّفاً يزايد على الحكومة وعلى الرئيس...
يُخشى أن تؤدي التعقيدات الداخلية والإقليمية الى شلل عربي حيال التعاطي مع الأوضاع في دارفور. انه شلل يمكن ان تترتب عليه تبعات في غاية الخطورة نظراً الى ان ما على المحك ليس وحدة السودان فحسب، بل منظومة الأمن العربي في منطقة وادي النيل ايضاً. هل هناك من يريد التفكير بذلك من منطلق أن ضبط الأوضاع في دارفور ليس خدمة للسودان وحده الذي عليه ان يكون متيقظاً باستمرار الى المخططات الاريترية، بل خطوة على طريق منع إعادة رسم خريطة المنطقة لغير مصلحة العرب أيضاً!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00