8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عودة إلى فكرة الدولة القوية.. انطلاقاً من النجف

تعكس معركة النجف الأشرف الهادفة الى القضاء على السيد مقتدى الصدر سياسياً والانتهاء من الميليشيا التابعة له المسماة "جيش المهدي" رغبة في إمكان إقامة سلطة قوية في العراق على الرغم من مخاطر التقسيم التي تهدد البلد.
ما يجري عملياً أقرب الى محاولة لإثبات ان هناك سلطة واحدة في العراق وليس ميليشيات تسيطر كل منها على منطقة من المناطق أو على أطراف هذه المدينة أو تلك مثل سيطرة ميليشيا مقتدى الصدر على ضاحية "مدينة الصدر في بغداد. انها عودة بطريقة أو بأخرى الى فكرة الدولة القوية التي قامت خلال عهد صدام حسين الذي امتد بين العامين 1979 و2003 وحتى قبله عندما كان يقتسم السلطة مع أحمد حسن البكر. ولكن مع فارق أن الرجل القوي في السلطة الجديدة سيكون الدكتور أياد علاّوي، أي ان الشيعي حل مكان السني وذلك احتراماً للتفاهم الذي توصلت اليه أطراف المعارضة منذ أواخر العام 2003 على ان العراق بلد فيه "أكثرية شيعية".
يمثل أياد علاّوي في هذه المرحلة مشروعاً يستهدف إقامة سلطة قوية في العراق، سلطة قادرة على السيطرة على البلد استناداً الى تحالف قائم على ثلاث ركائز هي: الشيعة من ذوي التوجه العربي أولاً. وهو توجه سياسي قبل ان يكون دينياً، أي ان في استطاعة الشيعي ذي التوجه العربي ان يكون ـ من مواليد إيران مثل آية الله السيستاني ـ لكن تطلعه يكون الى النجف وليس الى قم. اما الركيزة الثانية فهي الأكراد علىn أسهم السيد مسعود بارزاني الذي يتطلع الى دولة عراقية لا يحرم فيها الأكراد من حقوقهم كما كان يحصل في الماضي ولا يتعرضون فيها لمجازر. وبارزاني أقرب الى المحيط العربي ويسعى الى عراق فاعل في هذا المحيط بعيداً عن النفوذين الإيراني والتركي. ولا شك ان الموقف من إيران هو الذي يميزه عن الزعيم الكردي الآخر جلال الطالباني وذلك في ضوء رغبة بارزاني ابن العائلة العريقة، في المحافظة على مسافة معينة بين العراق وبين بعض دول المحيط. والأكيد ان وجود بارزاني ضمن معادلة عراقية جديدة في إطار عراق فيديرالي لكن موحد يمكن ان يساهم في ابعاد النفوذ الإسرائيلي وطمأنة الأطراف العربية التي تشكو من تغلغل إسرائيلي في كردستان العراق.
تبقى الركيزة الثالثة لمشروع أياد علاّوي، أو على الاصح للمشروع الذي يمثله الرجل وصار يعتبر رمزه، وهي تتمثل بالمثلث السني بما في ذلك البعث والمؤسسات الحكومية وعلى رأسها الجيش العراقي. ولذلك سعى علاّوي باكراً الى إعادة تشكيل الجيش والعودة عن قرار حله والتخلي عن قرار اجتثاث البعث من جذوره. انه يفرق بين البعث كحزب وبين بعث صدام وطالب رئيس الوزراء منذ البداية بالاكتفاء باستبعاد البعثيين الصداميين الذين يعرفهم أكثر من غيره بصفته بعثياً قديماً. وفي هذا المجال يقول الذين على علم بالأسباب التي أدت الى انتقال أياد علاّوي الى المعارضة تأكده شخصياً من ان صدام كان متعصباً في حق الشيعة وكان يتدخل شخصياً لمنع طلاب شيعة متفوقين من متابعة تحصيلهم الجامعي في فروع معينة. وكان رئيس الوزراء العراقي الحالي شاهداً على ذلك عندما تولى رئاسة الاتحاد الوطني لطلبة العراق. وحمله تعصب صدام الأعمى الى التمرد عليه باكراً والى الدخول في مواجهة معه.
بعد التحول الذي طرأ على الموقف الأميركي، صار هناك تطابق شبه كامل بين مواقف علاّوي الذي تربطه علاقات طيبة بدول عربية عدة من جهة ومواقف واشنطن. وكان طبيعياً في ضوء هذا التطابق ان يعيد الأميركيون النظر في قرارين أساسيين اتخذا بعد احتلال العراق بتأثير من أحمد الجلبي وهما قرار حل الجيش واجتثاث البعث. ومع ابعاد الجلبي الذي تبيّن انه ورقة إيرانية أكثر من أي شيء آخر، كان طبيعياً ان تلجأ إيران الى أوراق أخرى بينها ورقة مقتدى الصدر الذي لعبت مجموعته منذ البداية دوراً مهماً على صعيد التخلص من أي مشروع للعراق يمكن ان تكون له جذور عربية. وهذا ما يفسر الى حد كبير السرعة التي اعتمدت في قتل السيد عبد المجيد الخوئي في نيسان من العام 2003 في النجف وذلك عشية سقوط بغداد في يد الأميركيين. فقد كان الخوئي على الرغم من كل ما يقال عن أصوله الإيرانية، مشروعاً ذا عمق عربي بعيداً كل البعد عن أي نوع من التعصب لهذا المذهب أو ذاك... كان الخوئي يتطلع الى العراق ككل، ولذلك كان لا بد من التخلص منه سريعاً.
كان طبيعياً ان يكون الخيار في النهاية، خيار الحسم مع مقتدى الصدر وكل ما يمثله، ذلك أن الأميركيين لم يحتلوا العراق كي يسلموه لإيران أو ليقيموا نظاماً ديموقراطياً يكون نموذجاً لدول المنطقة. دخلوا العراق لأسباب لها علاقة بمصالحهم على رأسها النفط وكي يكونوا قريبين من منابعه ومن الممرات البرية والبحرية التي يسلكها في طريقه الى الدول الصناعية. ودخلوا العراق تحت تأثير الموالين لإسرائيل في الإدارة الأميركية قبل ان يكتشفوا ان مصالحهم لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الإسرائيلية. هناك حالياً مشروع أميركي جديد للعراق تدعمه بعض القوى العربية ونجاح أياد علاّوي في انهاءظاهرة مقتدى الصدر ـ هذا إذا نجح ـ خطوة حاسمة على طريق تنفيذ هذا المشروع الذي قد تكون له بعض الحسنات أبرزها الحؤول دون تقسيم البلد وذلك في وقت لا يزال هذا الخطر ماثلاً في كل لحظة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00