8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يمكن الرهان على الديموقراطيين في أميركا؟

هل يمكن الرهان على تغيير في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في حال فوز جون كيري على جورج بوش الإبن في 2 تشرين الثاني المقبل؟
يبدو مثل هذا الرهان غير واقعي. يؤكد ذلك عدد من الذين تكلفوا عناء حضور مؤتمر الحزب الديموقراطي قبل أيام في بوسطن، وهو المؤتمر الذي أصبح بعده كيري المرشح الرسمي للحزب. وكان المدعوون الى اللقاء عدداً كبيراً من المحيطين بكيري، إضافة الى كبار المسؤولين في عهد الرئيس بيل كلينتون. وهؤلاء سيكون لهم دور بطريقة أو بأخرى في رسم السياسات الخارجية في حال عودة الديموقراطيين الى البيت الأبيض.
هناك ثلاثة مواضيع تهم العرب مباشرة تطرّق إليها المشاركون من ذوي الشأن في مؤتمر الحزب الديموقراطي الذي سمح بتشكيل جبهة قوية متراصة خلف كيري وشريكه في البطاقة الديموقراطية السناتور جون ادواردز المرشح لمنصب نائب الرئيس. على رأس هذه المواضيع يأتي العراق. وبغض النظر عما ورد في الكلمات العلنية خلال المؤتمر والتي كان الهدف منها إحراج إدارة بوش الإبن وإظهارها كإدارة فاشلة خدعت الشعب الأميركي، يبقى أن على أي إدارة معالجة الواقع العراقي. وفي هذا المجال يقول الديموقراطيون النافذون في الجلسات الخاصة على هامش المؤتمر إن لا معنى لزيادة عدد القوات الأميركية في العراق وذلك بهدف الحسم نظراً الى أنه ليس في استطاعة الولايات المتحدة خسارة العراق. وبكلام أوضح، هناك إجماع لدى الديموقراطيين على أن أميركا لا يمكن أن تقدم تنازلات في العراق مهما كلّف الأمر، ولا يمكن أن تخرج مهزومة من هذا البلد، بعدما دخلت في مشروع لا يمكن أن تسمح لنفسها بالخروج منه خاسرة هذا بصرف النظر عن تأكيدات كيري انه سوف يخفض عدد القوات الاميركية في هذا البلد. بالنسبة الى الديموقراطيين ما هو على المحك ليس كيف تتفادى أميركا هزيمة عسكرية في العراق، بل كيف يمكن أن تبقى الثروات النفطية في المنطقة في خدمة الاقتصاد العالمي؟ ومعنى ذلك أن أميركا يجب أن تكون قادرة في أي وقت على التحكم بآبار النفط في المنطقة وبالطرق التي يسلكها النفط للوصول الى الدول المستهلكة بدءاً بالصين واليابان وانتهاء بالولايات المتحدة نفسها، مروراً بأوروبا. إن النفط شريان الحياة للدول الصناعية الكبرى والى إشعار آخر ليس في مقدور هذه الدول الاستغناء عن النفط الخليجي!
أين يختلف الديموقراطيون عن الجمهوريين؟ يدور الاختلاف على الوسائل الكفيلة بتحقيق الهدف. ويرى الديموقراطيون أن الانفتاح على الحلفاء، خصوصاً على الأوروبيين وإقناعهم بالمشاركة في عملية ضبط الأوضاع في العراق سيسهلان على أميركا تحقيق هدفها. وفي اعتقاد هؤلاء أن لا خلاف بين أميركا وأوروبا على الهدف، بل أن سبب تردد الحلفاء يعود الى الأسلوب الذي اعتمده بوش الإبن في التعاطي معهم. ولعل أخطر ما يكشفه الديموقراطيون البارزون الذين شاركوا في مؤتمر بوسطن هو القناعة الراسخة بأن المصاعب التي تواجه أميركا في العراق عائدة الى تدخلات خارجية من بعض دول الجوار. وعند هذه النقطة يلتقي الحزب الديموقراطي مع الحزب الجمهوري ويشاركه في التفكير بضرورة التعاطي بطريقة ما مع بعض دول الجوار. ولا يتردد عدد من الديموقراطيين البارزين في الدعوة الى شن عمليات عسكرية لوقف ما يسمونه التدخلات الخارجية في العراق.
يبقى الموضوعان الآخران اللذان شغلا المهتمين بالشؤون العربية خلال مؤتمر الحزب الديموقراطي. إنهما فلسطين والحرب على الإرهاب. بالنسبة الى فلسطين لا فارق بين الديموقراطيين والجمهوريين. وكلام الرئيس كلينتون في احدى الجلسات كان واضحاً. إنه يرى أن العرب أضاعوا فرصة التوصل الى "حل عادل" مع إسرائيل وأنهم لم يستوعبوا حتى الآن أنهم يسيرون في خط معاكس للزمن. ويعترف كلينتون بأن "الجدار الأمني" الذي تبنيه إسرائيل سيجعل الأمور أكثر تعقيداً في المستقبل، لكنه يهاجم ياسر عرفات بعنف بحجة أنه لم يستطع أن يكون رجل دولة. وما لم يقله كلينتون عن "الجدار" يقوله آخرون أحدهم مرشح لمنصب مهم في إدارة كيري. هؤلاء يبررون لإسرائيل بناء "الجدار" من منطلق أن عليها "حماية مواطنيها" وذلك مع اعترافهم بأنه يعقّد الحل.
بالنسبة الى الحرب على الإرهاب، يزايد الديموقراطيون على الجمهوريين ويرون أن المسألة مرتبطة بتطوّر المنطقة سياسياً، أي أن أميركا لا تستطيع، إذا كانت تريد اجتثاث الإرهاب، تحقيق نتائج من دون إصلاحات سياسية جذرية في الشرق الأوسط!
الديموقراطيون والجمهوريون وجهان لعملة واحدة. السياسة الأميركية لن تتغير في الشرق الأوسط. والذين يراهنون على الوقت في الجانب العربي إنما يراهنون على سراب في عالم لا يكفي أن تكون فيه على حق كي تحصل على حقوقك بل على أبسط هذه الحقوق.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00