8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السودان والتجربة العراقية مع قرارات مجلس الأمن

في كل ما له علاقة بالقرار الأخير لمجلس الأمن في شأن السودان، يستحسن بالخرطوم الاستفادة من التجربة العراقية في التعاطي مع مثل هذا النوع من القرارات. والتجربة العراقية هنا هي تلك التي مر فيها نظام صدام حسين والتي انتهت بازاحة النظام تحت حجج واهية من نوع انه لم يتقيد بقرارات مجلس الأمن التي صدرت بعد ارتكاب جريمة غزو الكويت او امتلاكه اسلحة الدمار الشامل. وحتى الآن وبعد مضي نحو سنة وثلاثة أشهر على احتلال العراق، يتبين أن قرارات مجلس الأمن لم تكن سوى وسيلة للوصول إلى نتيجة محددة تتلخص بضرورة الانتهاء من النظام.
في حال اراد النظام السوداني تفادي مصير النظام العراقي، يفترض به أولاً عدم الاستخفاف بقرار مجلس الأمن المتعلق بالوضع في دارفور. والواضح أن الولايات المتحدة لا تريد سماع تفسيرات تساعد في اظهار الوضع في ذلك الإقليم السوداني على حقيقته. بالطبع لا تريد سماع ان هناك قوى خارجية تدخلت وسلحت القبائل غير العربية في محاولة واضحة لمنع الحكومة السودانية من التوصل إلى اتفاق نهائي مع متمردي الجنوب يؤدي إلى استعادة البلد وضعه الطبيعي. كل ما تريد واشنطن سماعه هو أن قبائل عربية ارتكبت مجازر في حق قبائل غير عربية وان الحق كل الحق على السلطات السودانية التي سلحت القبائل العربية والميليشيات التابعة لها المعروفة بالجنجويد ودعمتها.
من أبرز الأخطاء التي ارتكبها نظام صدام حسين اعتباره قرارات مجلس الأمن من النوع القابل للأخذ والرد وانها قرارات ذات طابع قانوني وان في الامكان مناقشة مدى احترامها للأصول المرعية والقوانين الدولية. وتبين مع الوقت ان هذه القرارات سياسية أولاً وأخيراً ولا علاقة لها بالقانون الدولي سوى من ناحية واحدة تتمثل في ان النظام العراقي برر صدورها عندما اعتدى على دولة عربية جارة هي الكويت واعتبرها محافظة من محافظاته!
تلقى النظام العراقي النصيحة تلو الأخرى بأن عليه الامتثال لكل ما يطلب منه وعدم مناقشة أي بند من بنود قرارات مجلس الأمن او الاعتراض عليها، لكنه لم يفهم معنى هذه النصائح. وأفسح الأخذ والرد في المجال للولايات المتحدة وبريطانيا كي تقولا إنه يرفض تنفيذ المطلوب منه وانه لا يتعاون بما فيه الكفاية مع المفتشين الدوليين.
وعندما تردد المفتشون الدوليون في التشكيك بالنيات العراقية، راحت الولايات المتحدة تبحث عن ذرائع أخرى لتبرير غزوها العسكري بما في ذلك وجود علاقة بين نظام صدام و"القاعدة". وعلى الرغم من انه تبين ان لا وجود لمثل هذه العلاقة لا تزال واشنطن تصر على أن الحرب على العراق تدخل في سياق الحرب على الارهاب وعلى اسامة بن لادن!
في اساس المصائب التي حلت بالنظام العراقي ارتكابه جريمة غزو الكويت. ولكن في أساس العملية العسكرية التي ادت الى اسقاطه تردده في البداية في قبول قرارات مجلس الأمن ومحاولته الالتفاف عليها. ولذلك، ومن زاوية الحرص على السودان وعدم تعرضه لأي اذى، قد يكون مفيداً القول للخرطوم إن اثارة اي تساؤلات في شأن القرار الأخير لمجلس الأمن لن يعود بالفائدة عليها. على العكس من ذلك، لا مفر من تأكيد القبول التام لقرار مجلس الأمن بما في ذلك لمهلة الشهر التي حددها لنزع سلاح الميليشيات العربية. وحسناً تفعل جامعة الدول العربية في حال قررت ارسال مراقبين للاشراف على نزع أسلحة هذه الميليشيات التابعة لقبائل عربية محددة.
ان السودان يتعرض لحملة شرسة لا مثيل لها في الاعلام الغربي، ومن التهم الموجهة إلى حكومته ارتكاب مجازر لم يسبق للعالم أن شهد مثلها. والواقع أن كل من لديه بعض الذاكرة يدرك أن ما يحصل في اقليم دارفور يمكن أن يعالج في حال توافرت النيات الطيبة لدى الدول القادرة وعلى رأسها الولايات المتحدة من جهة وأن المجازر التي ارتكبت لا يمكن مقارنتها بما حصل في رواندا والكونغو في تاريخ لم يمر عليه الزمن من جهة أخرى.
لا يمكن تبرير أي مجزرة مهما كانت صغيرة ، كذلك لا يمكن تجاهل أن هناك مسؤوليات تقع على الحكومة السودانية. الا ان الأمر الذي لا بد من التركيز عليه بعد اتخاذ اجراءات عملية تؤكد الخرطوم من خلالها انها جادة في تجريد الميليشيات العربية من اسلحتها ووقف اي تجاوزات تقدم عليها، هو أن القرار الأخير لمجلس الأمن قرار سياسي.
ومعنى ذلك أن على الحكومة السودانية قبوله من دون تردد ومن دون أي تحفظات وذلك لقطع الطريق على اي قرارات جديدة قد تصدر عن مجلس الأمن بعد شهر أو شهرين. ان قطع الطريق على قرارات جديدة بمساعدة عربية وبدعم من بعض الدول التي تسعى الى تفهم الوضع السوداني كفرنسا مثلاً كفيل بتفادي مصائب كبيرة. والأهم من ذلك كله أن السودان يحتاج إلى الانتهاء من قضية دارفور بأي ثمن كان كي ينصرف إلى معالجة أوضاعه الداخلية ووقف النزف المستمر منذ عقود عدة. آن الأوان للسودان كي يستريح أقله من أجل التقاط أنفاسه!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00