8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عرفات وتيري رود لارسن

لا يمكن السلطة الوطنية الفلسطينية ان تربح شيئاً من توجيه انتقادات وتحذيرات وحتى تهديدات إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن.
ومن حسن الحظ أن المندوب الفلسطيني لدى المنظمة الدولية السيد ناصر القدوة حاول تدارك الأمر ولو متأخراً، إذ قال ليس صحيحاً أن رود لارسن شخص غير مرغوب فيه في الأراضي الفلسطينية، فيما كان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يؤكد دعمه لمبعوثه الى الشرق الأوسط وهو موقف ليس في مصلحة الموقف الفلسطيني.
ثمة طبعا مآخذ على التقرير الذي قدمه رود لارسن إلى مجلس الأمن والذي تحدث فيه عن الوضع المأسوي للسلطة الوطنية الفلسطينية التي رأى انها على شفا الأنهيار. واذا كان منطقياً تحميل السلطة الوطنية مسؤولية ما آلت اليه اوضاعها، خصوصاً في ظل التجاذبات الداخلية ورغبة المنظمات المتطرفة في القضاء عليها اضافة إلى غياب الرغبة في اجراء اصلاحات حقيقية وجملة الأخطاء السياسية التي ارتكبت، الا انه لا يمكن تجاهل ان ارييل شارون بذل منذ اليوم الأول لتولّيه السلطة، وتأليف حكومته الأولى في آذار 2001 كل ما يستطيع للتخلص من أي اثر لأي رمز فلسطيني يمكن أن يُشتم منه أمل بمستقبل افضل لهذا الشعب. لم يبشر شارون سوى باليأس. فماذا ينتظر من شعب في هذا الوضع؟
ولم يتردد شارون في القضاء على اي مؤسسة فلسطينية اقيمت بعد توقيع اتفاق اوسلو عام 1993. وهذا امر مفهوم لانه عارض الاتفاق واعتبر منذ البداية انه تهديد لاسرائيل وانه اعطى الفلسطينيين كثيرا. وكانت المؤسسة الأولى التي استهدفها رئيس الوزراء الاسرائيلي الشرطة وأجهزة الأمن الفلسطينية التي يمكن أن تكون اداة للسيطرة على الأوضاع في المناطق التي انسحب منها الاحتلال، وكانت الشرطة والأجهزة اداة في يد ياسر عرفات اولاً، وقد سقط "أبو عمار" على الرغم من حذره وخطته في كثير من الأفخاخ التي نصبها له عدوه التاريخي وها هو الان يدفع ثمن ذلك!
كان الأجدر برود لارسن الديبلوماسي النروجي الذي مارس دوراً اساسياً في التوصل الى اتفاق اوسلو ان يكون اكثر لياقة وصبراً مع صديقه القديم ياسر عرفات الذي غالباً ما لجأ اليه في الأوقات العصيبة، على الرغم من ان الرئيس الفلسطيني صعب المراس ولا يتخلى بسهولة عن عاداته القديمة، هذا اذا كان في الامكان حمله على التخلي عنها!
وكان عليه السعي الى تفهم أوضاع الرجل الموجود في الاقامة الجبرية منذ نحو ثلاث سنوات وإلى اقناعه بخطوات معينة لعل ذلك يساهم في اخراجه من الوضع الذي هو فيه. فالأكيد ان ياسر عرفات لا يمكن ان يقدم على أي خطوة في اي اتجاه كان من دون وعد بأنه سيستعيد حريته قريباً، وخصوصاً حرية التنقل في الأراضي الفلسطينية والسفر الى خارج ثم العودة الى رام الله أو غزة. فهل كثير على الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني ان يطلب ذلك؟
كان الأجدر بتيري رود لارسن الانطلاق من الرأي الذي اعطته محكمة العدل الدولية في شأن عدم قانونية "الجدار" لتفهم الأوضاع الفلسطينية ومحاولة تفادي المساواة بين المجرم والضحية. ولكن يبدو واضحاً ان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فقد أي امل في اصلاح ياسر عرفات، مع ان ذلك ليس مستحيلاً لو كان في استطاعته اعطاء بعض الأمل للرئيس الفلسطيني انه سيستعيد حريته قريباً.
كذلك، كان من الأفضل لو تريث الجانب الفلسطيني في شن حملته على مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، او على الأصح كان على الجانب الفلسطيني تفادي مهاجمة رود لارسن لسببين: الأول ان طريقة تصرفه اظهرت أن ياسر عرفات في وضع نفسي سيىء وانه سريع الانفعال حيال أي ملاحظة توجه اليه. والأكيد ان التقرير الأخير لرود لارسن لم يكن الملاحظة الأولى التي تصدر عن الديبلوماسي النروجي الذي لم يتردد في الأشهر الأخيرة في انعقاد السلطة الوطنية التي أدى دوراً في قيامها ويبدو أن تقريره الى مجلس الأمن كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
اما السبب الآخر فهو ان على الجانب الفلسطيني في هذه المرحلة التركيز على كيفية الاستفادة من الرأي الذي اعطته محكمة العدل الدولية في شأن الجدار. والأكيد ان اثارة الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص لن يساعد في ذلك. انه خطأ لا بد من معالجته سريعا حتى لو أضطر ياسر عرفات إلى استقبال تيري رود لارسن والاستماع اليه مرة أخرى. سيكون ذلك دليلاً إلى ان الرئيس الفلسطيني مازال رجلاً براغماتياً يحافظ على الخيوط الرفيعة التي تربطه بألد خصومه، فكيف مع من كان يُرَى حتى الأمس القريب في خانة الاصدقاء؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00