8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

قتال على جبهتين في لعبة من دون أسرار!

صارت اللعبة من دون أسرار. بات على العرب والفلسطينيين تحديداً القتال على جبهتين في المواجهة القائمة مع إسرائيل. جبهة المشروع الإسرائيلي الواضح الهادف الى ضم أجزاء من الضفة الغربية الى الدولة اليهودية، وجبهة العمل الديبلوماسي في المحافل الدولية من أجل عزل إسرائيل وحتى ولو كانت مدعومة من الولايات المتحدة.
على صعيد الجبهة الأولى، لا يمكن الفصل بين المشروع الإسرائيلي الواضح الهادف الى تكريس الاحتلال من جهة والانسحاب من غزة من جهة أخرى. ولن يمضي وقت طويل قبل توصل آرييل شارون الى اتفاق مع زعيم حزب العمل شمعون بيريس يؤدي الى دخول العمل الحكومة وذلك بهدف التعجيل في الانسحاب من غزة، استناداً الى رغبة المؤسسة العسكرية الأمنية التي لا تزال المؤسسة الأقوى في إسرائيل.
يفرض الانسحاب المرتقب من قطاع غزة مسؤوليات على الجانب الفلسطيني، وهي مسؤوليات لن يكون قادراً على تحمّلها وحده بعدما عمل شارون كل ما يستطيع من أجل تفكيك السلطة الوطنية ومؤسساتها في ظل وجود منظمات تؤمن بأن في الإمكان الانطلاق من غزة لتحرير فلسطين، كل فلسطين، من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر! ان هذا الواقع يدعو العرب، كل العرب، الى إجراء نقاش جدي في شأن ما يمكن عمله من أجل المساعدة في تحويل غزة الى مكان آمن يعيش فيه الفلسطينيون في ظروف معقولة تبرهن على أن في استطاعتهم إقامة دولة مستقلة تؤمن لهم الحد الأدنى من حقوقهم الوطنية المشروعة بصفة كونهم شعباً من شعوب المنطقة. شعب موجود على الخريطة السياسية للشرق الأوسط ويفترض تالياً، وعلى نحو طبيعي، أن يكون موجوداً على الخريطة الجغرافية للمنطقة.
ان التفكير لا بد أن ينصب منذ الآن على ما يجب أن تكون عليه غزة بعيداً عن أي نوع من الحساسيات، خصوصاً الحساسية التي يبديها بعضهم تجاه الدور المصري. انه دور لا بد منه ولا غنى عنه، خصوصاً أن غزة هي المكان الوحيد الذي تستطيع مصر لعب دور إقليمي فعّال بعد المصالحة الليبية ـ الأميركية وبعد الذي حصل في السودان حيث صار السلام قضية دولية بعيدة كل البعد عن كل ما هو عربي.
نعم، ان مستقبل الضفة الغربية مرتبط بمستقبل القطاع، ذلك أن غزة الآمنة ستقطع الطريق على الأوهام التي يتذرع بها شارون للقول أن الفلسطينيين لا يستحقون أن تكون لهم دولة وأن أي رقعة يسيطرون عليها ستتحوّل نقطة انطلاق لعمليات عسكرية تستهدف إسرائيليين داخل "الخط الأخضر". وفي ضوء هذه المعادلة، يبدو الدخول العربي على خط البحث في مستقبل غزة واجباً وطنياً بكل معنى الكلمة ما دام الهدف في النهاية زوال الاحتلال واستعادة الأرض المحتلة منذ العام 1967 استناداً الى قرارات القمة العربية، هذا من دون الحديث عن قرارات الشرعية الدولية المتمثّلة في تلك الصادرة عن مجلس الأمن.
على صعيد الجبهة الأخرى، أي جبهة العمل الديبلوماسي على الصعيد الدولي، ليس في الإمكان تحقيق نتائج تذكر من دون مواقف شجاعة يؤكد الجانب الفلسطيني من خلالها انه قادر على فهم المعادلات الدولية بما في ذلك أن العملية الأخيرة في تل أبيب والتي استهدفت موقفاً للباصات إنما تعتبر هدية من السماء الى آرييل شارون. هل صدفة أن تقع هذه العملية وهي الأولى من نوعها منذ أشهر عدة بعد ساعات من صدور رأي عن محكمة العدل الدولية داعم للجانب الفلسطيني في شأن "الجدار الأمني" الذي تبنيه إسرائيل بهدف تكريس الاحتلال لأجزاء من الضفة الغربية؟
حسناً فعل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما دان تلك العملية وحسناً يفعل لو يتخذ موقفاً أكثر صراحة من الدور المصري في غزة. وحسناً يفعل العرب، جميع العرب، بأن يتخذوا موقفاً لا لبس فيه من عملية تل أبيب التي سارع شارون الى استغلالها إذ اعتبرها نتيجة للموقف الذي اتخذته محكمة العدل الدولية التي اعتبرت "الجدار الأمني" مخالفاً للقانون الدولي.
لا يمكن البناء على رأي محكمة العدل الدولية لشن حملة ديبلوماسية ناجحة من دون إدانة عملية تل أبيب وذلك في وقت بدأ يظهر بعض التمايز بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي مع وصول مبعوثين للإدارة الأميركية الى الدولة اليهودية والأراضي الفلسطينية. كذلك، لا يمكن الرهان كثيراً على المبعوثين ستيف هارلي (نائب مستشارة الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس) وأليوت ابرامز، خصوصاً أن الأخير يعتبر من ليكوديي البيت الأبيض. ولكن على الرغم من ذلك، يبدو أن هناك سياسة أميركية تصب في اتجاه تشكيل فريق عمل أميركي ـ إسرائيلي بغية تحديد الحدود النهائية لإسرائيل على طول الضفة الغربية وعدم ترك شارون يستمر في بناء المستعمرات بطريقة عشوائية بغية فرض أمر واقع جديد على الأرض يومياً. إضافة الى ذلك بدأت تظهر في الأفق خلافات أميركية ـ إسرائيلية في شأن العراق بعدما تبيّن أن لإسرائيل مشروعها الخاص في هذا البلد لا يتفق بالضرورة مع المشروع الأميركي، خصوصاً أنها أمّنت لنفسها التغلغل في المنطقة الكردية ومنها الى مناطق أخرى.
لعل أقصى ما يستطيع العرب والفلسطينيون تحقيقه هذه الأيام الحد من الأضرار التي لحقت بهم عن طريق اعتماد سياسة أكثر عقلانية وذلك في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد. لكن الأمر الوحيد الثابت الذي لا يمكن تجاهله يتمثل في أن عليهم تحمل مسؤولياتهم في غزة من جهة واعتماد خطاب سياسي جديد من جهة أخرى. خطاب يقوم على فكرة أن عالم ما بعد 11 أيلول 2001 لا يتحمل عملية مثل عملية تل أبيب الأخيرة بغض النظر عن الإرهاب الذي يمارسه آرييل شارون وبغض النظر عن الظلم اليومي الذي يلحق بالفلسطينيين!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00