8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تنقذ عودة كلينتون حملة كيري؟

عاد بيل كلينتون الى الحياة السياسية الأميركية من خلال مذكراته التي تضمنها كتاب يقع في 957 صفحة حمل اسم "حياتي". وعلى الرغم من ان وسائل إعلام أميركية مهمة اطلعت على الكتاب قبل صدوره أصدرت حكماً سلبياً في حق مذكرات الرئيس الأميركي السابق، إلا أن ذلك لم يحل دون نفاد الطبعة الأولى منها قبل نزولها الى الأسواق. فقد بيع سلفاً مليون ونصف مليون نسخة من الكتاب وقبض كلينتون سلفاً عشرة ملايين دولار في مقابل قبوله كتابة المذكرات التي تغطي السنوات الثماني التي أمضاها في البيت الأبيض وجوانب أخرى من حياته بما في ذلك طفولته الصعبة.
من المآخذ التي أوردتها صحيفة "نيويورك تايمز" ان المذكرات "مملة حتى الموت" إضافة الى انها تظهر رجلاً يتكلم مع نفسه وليس مع القارئ".. لكن ذلك لم يحل دون اجماع وسائل الإعلام التي تناولت الموضوع على ان كلينتون سيكون فاعلاً في معركة الرئاسة المقبلة وقد ينجح حتى في انتشال جون كيري المرشح الديموقراطي الذي لم يستطع، أقله الى الآن، إعطاء لون أو طعم لحملته الانتخابية.
وسط كل الكلام عن نشاطاته في خلال ولايتيه وعن الخطب التي ألقاها، والمآدب التي أقامها، يورد كلينتون ملاحظات مرتبطة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتحديات التي تواجهها. يقول مثلاً انه التقى جورج بوش الابن بعيد فوزه في انتخابات الرئاسة و"أبلغته انه في ضوء ما حصل في السنوات الثماني الماضية، اعتقد ان المشاكل الأمنية تندرج حسب الترتيب الآتي: اسامة بن لادن والقاعدة، غياب السلام في الشرق الأوسط، الطريق المسدود الذي تواجهه القوتان النوويتان الهند وباكستان والعلاقات التي تربط باكستان بنظام طالبان والقاعدة، كوريا الشمالية، وأخيراً العراق".
يروي كلينتون أن بوش الابن لم يأت بأي رد فعل، وهو لا يجيب طبعاً عن سؤال أساسي محوره كيف قلب الرئيس الحالي الأولويات وربط الحرب على "القاعدة" والإرهاب بالعراق؟ لكن الملفت ان الرئيس السابق حرص، على الرغم من إمتناعه عن انتقاد الحرب في العراق، على تأكيد ان بلاده "ارتكبت خطأ عندما لم تترك الأمم المتحدة تنتهي من عمليات التفتيش" عن أسلحة الدمار الشامل في هذا البلد.
لم يخفِ كلينتون خيبته من ياسر عرفات الذي بدا من وجهة نظره في احدى المرات "مشوشاً غير مسيطر على الأحداث وليس في أحسن أحواله" من ناحية الأداء السياسي. وشرح في المقابل كيف أقنع اسحاق رابين بمصافحة الزعيم الفلسطيني في حديقة البيت الأبيض في أيلول من العام 1993. بالطبع لم يرد على لسان الرئيس السابق أي كلام عن مسؤولية إدارته في عدم التوصل الى النتائج المرجوة في قمة كامب ديفيد صيف العام 2000، وهي القمة التي أصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك ايهود باراك على عقدها غير مبالٍ بالتحذيرات التي صدرت عن "أبو عمار" خصوصاً بالنسبة الى ضرورة التحضير الجيد لها...
وكما كان متوقعاً ركّزت وسائل الإعلام الأميركية في عرضها للكتاب على قضية مونيكا لوينسكي التي ارتبطت بعلاقة جنسية مع كلينتون في أثناء عملها في البيت الأبيض. والطريف ان الرئيس الأميركي السابق لم يتوانَ عن وصف تلك العلاقة بأنها "مجنونة وغير أخلاقية"، مشيراً الى انه وجد نفسه مضطراً الى النوم على كنبة بعدما طردته هيلاري من الفراش الزوجي، ولم يعد الى جانبه سوى كلبه "بودي".
استغل كلينتون قضية مونيكا ليشن حملة على اليمين الأميركي الذي يعتب انه كان وراء المدعي العام كينيث ستار الذي سعى الى حمله على الاستقالة. وفي إشارة واضحة الى مدى احتقاره لهذا اليمين الذي أوصل جورج بوش الابن الى الرئاسة في السنة 2000 يقول انه "تعرض لمحاولة انقلابية قادها الجناح اليميني" في الحزب الجمهوري الذي يمثل "القوى التي حاربتها طوال حياتي... قوى الرجعية والانقسام".
يبدو كلينتون عبر الاهتمام الذي لاقته مذكراته من القلائل القادرين على التصدي بفعالية للإدارة الحالية، ذلك ان الرجل يذكّر الأميركيين بأيام أفضل، أيام كان فيها الاقتصاد منتعشاً ولم تكن بلادهم متورطة لا في العراق ولا في غير العراق. وكان السؤال الذي تردد في غير وسيلة إعلامية: أي دور يمكن ان يلعبه كلينتون في إنقاذ حملة جون كيري؟
ثمة حنين الى أيام كلينتون، ولكن ما العمل إذا كانت أحداث 11 أيلول جاءت لتغيّر أشياء كثيرة في أميركا وتعطي نفساً لـ"قوى الرجعية" التي لم تتأخر في بث إعلانات تلفزيونية تظهر فيها صوراً عن العمليات الإرهابية التي وقعت في عهد الرئيس السابق يليها شعار: "ان الانتصار في الحرب على الإرهاب يتطلب رئيساً يمتلك إرادة المواجهة".
الى أين ستقود تلك الإدارة أميركا والى أي حد سينصف التاريخ بيل كلينتون الذي سعى الى إعطاء أميركا وجهاً أكثر انسانية عن طريق تفادي المواجهة والسعي الى إيجاد حلول للأزمات الدولية عبر الحوار أولاً... ألم يحاول في الشرق الأوسط وغير الشرق الأوسط؟ كم تبدو بعيدة تلك الأيام التي جاء فيها رئيس أميركي الى غزة محاولاً إعطاء بعض الأمل للشعب الفلسطيني وبعض العدالة لسياسة القوة العظمى الوحيدة في العالم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00