8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العراق وثمن غياب السياسة الأميركية

مع اقتراب موعد تسليم السلطة الى العراقيين، في الاقل من الناحية النظرية، يظل السؤال المطروح: أي عراق سيخرج من الاحتلال الأميركي! وبكلام أوضح هل يبقى البلد موحداً أم ان الاحتلال الذي اخترع مبررات للحرب، لم يهتم يوماً بما ستؤول إليه أوضاع البلد بمقدار ما أن همه الوحيد كان منصباً على اعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط من أجل إيجاد معطيات جديدة تصب في اتجاه واحد، يتلخص بإعادة رسم خريطة المنطقة!
تتدهور الأوضاع في العراق كل يوم، وستظل تتدهور مع اقتراب موعد 30 حزيران، ذلك لان كل طرف داخلي أو اقليمي يريد أن يثبت أنه سيكون لاعباً أساسياً على صعيد تحديد مستقبل العراق الجديد. ولماذا لا يكون كل طرف يعتقد أنه يمتلك أوراقاً في العراق مستعداً لإظهار أنه لاعب أساسي ما دام الأميركيون أوجدوا فراغاً سياسياً في أحد أكثر البلدان أهمية في المنطقة!
ان الفراغ الذي أوجده الأميركيون يدفع الأطراف العراقية وغير العراقية الى السعي نحو تحسين مواقعها ولا شك في ان طريقة التعاطي مع احداث الفلوجة ستؤكد للقوى السنية ان العنف يعد الأسلوب الأفضل للتعاطي مع الأميركيين، ذلك بأنه لولا العنف لما اضطرت القوات الأميركية الى المساومة واعطاء تنازلات جعلت أهل الفلوجة يتمتعون بنوع من الأمن الذاتي. ولولا العنف لما كان الاتجاه حالياً الى الاعتراف بميليشيا مقتدى الصدر وبأن الرجل قادر على أن يؤدي دوراً سياسياً في المستقبل بعد حل الميليشيا وإنشاء حزب سياسي. وسيكون في استطاعة مقتدى الصدر أن يدّعي قريباً ان العنف مكّنه من اجبار الأميركيين على إسقاط التهم الموجهة إليه في شأن اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في نيسان 2003.
لا شك في ان تأليف حكومة جديدة برئاسة الدكتور اياد علاوي كان خطوة الى أمام، وخصوصاً ان هذه الحكومة تمتلك حداً أدنى من التجانس على نقيض مجلس الحكم الانتقالي. هذا المجلس الذي صنعه الأميركيون بعد سقوط نظام صدام حسين، والذي يبدو ان الهدف الوحيد من قيامه كان زرع سوسة الطائفية في العراق عبر تكريس أمر واقع مرفوض يتلخص بأن السنّة العرب أقلية لا يتجاوز عددها خمس سكان العراق وان المطلوب ان تدفع ثمن كل الجرائم التي ارتكبها نظام صدام حسين. والواقع ان هذا النظام الذي لم يأت للعراق والعراقيين سوى بالكوارث لم يفرق بين سنّي وشيعي وعربي وكردي وتركماني بل ساوى بين الجميع في ممارساته التي يستحيل على انسان عاقل تبريرها في أي شكل ولا شك أيضاً في ان تعيين السيد غازي عجيل الياور رئيساً للجمهورية سيسهم في طمأنة العراقيين ودول الجوار، الى أن العراق لن يغير جلدته وسيظل بلداً عربياً بدليل ان رئيسه رفض حتى حين ذهب الى الولايات المتحدة للمشاركة في قمة الدول الصناعية التخلي عن الثوب التقليدي الذي يذكّر بأنه من قبيلة شمر احدى اكبر القبائل العربية ذات الامتدادات في سوريا والأردن والسعودية.
ان الحكومة العراقية الجديدة جيدة، كذلك رئيس الجمهورية الجديد الذي يتحدث دوماً عن مستقبل البلد مشيراً الى انه سيكون فيديرالياً وديموقراطياً وذلك في محاولة واضحة لطمأنة الأكراد. لكن النيات شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر. وما يجري على أرض الواقع إخفاق أميركي كامل ليس معروفاً كيف سيتوج باستثناء ان كل المعطيات تشير الى انه يخشى أن البلد لن يبقى واحداً موحداً وان الحديث عن انتخابات في السنة المقبلة سابق لأوانه لعدم وجود قوة قادرة على حماية الأمن في البلد. كيف يمكن اجراء انتخابات في وقت لا يمر يوم من دون حادث أمني كبير على غرار ذلك الذي شهدته بغداد الخميس الماضي وكيف يمكن اجراء انتخابات في وقت لا يمر أسبوع من دون عملية خطف؟ وكيف يمكن اجراء انتخابات من دون أن يكون هناك طرف قادر على حماية تدفق النفط العراقي؟
ان الخوف كل الخوف يكمن في ان الادارة الأميركية لم تعد مهتمة في هذا الموسم الانتخابي سوى بإيجاد مخرج من المأزق العراقي وذلك بتخليها عن أي مشروع مستقبلي للبلد والاكتفاء بالبحث عن غطاء لها تحمله مسؤولية فشلها. وهل أفضل من الأمم المتحدة لمثل هذه المهمة؟
في بداية العام 1984، وبعد إخفاق التدخل الأميركي في لبنان اثر الغزو الاسرائيلي للبلد. سحب الرئيس ريغان القوات التي أرسلتها الولايات المتحدة الى البلد الصغير من دون أن يأخذ في الحسبان النتائج التي يمكن ان تترتب على ذلك. قرر ريغان الانسحاب لأنه لا يريد تحول لبنان موضوعاً انتخابياً في حملته الهادفة الى تجديد ولايته. وقد نجح في ذلك.
يبدو واضحاً ان الرئيس بوش الابن يسعى الى تقليد تجربة ريغان، مع فارق ان العراق ليس لبنان لسبب في غاية البساطة ان في العراق ثاني أكبر احتياط نفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية. ومع ذلك سيعمل بوش الابن لتكرار التجربة ولكن ليس بالانسحاب من العراق بل بإبقاء جنوده في البلد وتحميل مسؤولية الإخفاق لآخر. المشكلة ان من سيدفع الثمن في النهاية سيكون الشعب العراقي والعراق، وذلك في انتظار معرفة ما الذي تريده الولايات المتحدة حقيقةً من البلد. هل تريده موحداً أو تريده مختبراً لحروب أهلية تمتد الى دول الجوار؟
الأكيد ان الوضع سيسير من سيئ الى أسوأ في العراق في انتظار موعد 30 حزيران. لكن التدهور سيستمر من الآن الى موعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل. والأكيد ان البلد سيدفع ثمناً غالياً لغياب السياسة الأميركية تجاهه، باستثناء سياسة ان يكون الموضوع العراقي سبباً لعدم تمكن بوش الابن من تجديد ولايته!..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00