8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ريغان من أعظم الرؤساء.. لولا هفوات

يمكن اعتبار رونالد ريغان من أعظم الرؤساء الأميركيين لولا بعض الهفوات. فأميركا لا تريد أن تتذكر سوى ذلك الرجل الذي عجّل في انهيار الاتحاد السوفياتي مستخدماً عقلاً سياسياً تبسيطياً يرتكز على ايديولوجيا محافظة تقوم على فكرة الخير والشر. انه حقاً الأب الروحي لجورج بوش الابن الذي قسم العالم بين من هو مع أميركا ومن هو ضدها.
اكتشف الأميركيون متأخرين في اثناء الولاية الثانية لريغان الذي أعيد انتخابه في تشرين الثاني من العام 1984 ان الرجل لا يصلح لأن يكون رئيساً على الرغم من أنه متحدث لبق ولد ليكون نجماً تلفزيونياً وليس لتحمل مسؤوليات سياسية وعلى الرغم من ذلك ظلوا متعلقين به بعدما خلصهم من عقدة فيتنام التي بقوا يعانونها منذ منتصف السبعينات عندما أقلعت آخر هليكوبتر من سطح السفارة الأميركية في سايغون تاركة الفيتناميين حلفاء الولايات المتحدة لمصيرهم..
نظرة أخرى الى الأحداث التي شهدها عهد ريغان بين العامين 1981 و1989، تبين ان أميركا فشلت في غير مكان من العالم حتى انها اضطرت الى غزو غرينادا لأسباب تبين لاحقاً انها واهية من أجل تغطية الهزيمة التي لحقت بها في لبنان والتي توجت بنسف مقر المارينز قرب مطار بيروت في تشرين الأول من العام 1983.
لكن رونالد ريغان الممثل صاحب الأدوار الثانوية الذي عرف كيف يستخدم شاشة التلفزيون وان ينظر الى الأميركيين في عيونهم كان يدرك ان لدى بلاده من الامكانات الاقتصادية ما يمكّنها من ربح كل الحروب التي تخوضها خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمصالحها المباشرة. ولذلك انتصرت أميركا في الحرب العالمية الثانية بعدما خاضت تلك الحرب بكل طاقتها وامكاناتها فدفعت الثمن المتوجب عليها وكان 400 ألف قتيل. أما موضوع فيتنام، فكان مسألة أخرى. وقد خسرت أميركا الحرب لأن الشعب الأميركي لم يعد مقتنعاً بها ولأنه لم تكن هناك مصالح مباشرة لأميركا في فيتنام. والحقيقة ان الولايات المتحدة خسرت حرب فيتنام على أرضها وفي مدنها قبل ان تخسرها في فيتنام نفسها.
لا تريد أميركا ان تتذكر من عهد ريغان الذي امتد بين العامين 1981 و1989 سوى قضائه على الاتحاد السوفياتي بالضربة القاضية بعدما بدأ عهده بوصفه بـ"امبراطورية الشر". ولا تريد أن تتذكر سوى جرأته على اتخاذ القرارت الكبيرة من نوع المباشرة في مشروع "حرب النجوم" المكلف الذي اضطر الاتحاد السوفياتي الى الدخول في سباق تسلح تبين أنه غير قادر على الاستمرار فيه. لقد كشف ريغان بفضل افكاره البسيطة مدى هشاشة الامبراطورية السوفياتية نظراً الى أنها كانت قوة عسكرية كبيرة تقوم على اقتصاد ضعيف. والأكيد ان الرجل لم يكن عبقرياً وكل ما فعله كان ان أطلق افكاراً تتسم بالبساطة اقتنع بها رجل الشارع الأميركي الذي جدد له ولايته.
نسيت أميركا ان ريغان لم يكن يعمل سوى ساعات قليلة وانه لم يكن يقرأ سوى موجز لموجز عن التقارير التي كانت تقدم له. وكان موجز الموجز يكتب بحروف عريضة على ورق مقوى.. وكان ذلك أكثر من كان لرجل مهنته التمثيل وقول كلام منمّق يبهر به محاوريه أكانوا أميركيين أو غير أميركيين.
ما يصلح قوله في النهاية ان الحظ خدم ريغان فهو تولى الرئاسة في وقت كان هناك فراغ في الاتحاد السوفياتي بسبب مرض ليونيد بريجنيف الذي امتد طويلاً. وما لبث بريجنيف ان رحل أواخر العام 1982 وخلفه يوري اندروبوف الذي لم يستمر عهده سوى سنة كانت كافية لتعديل موازين القوى في الشرق الأوسط لغير مصلحة أميركا وإسرائيل.
لكن موت اندروبوف باكراً أظهر ان الاتحاد السوفياتي يمر في مرحلة من الافلاس السياسي والاقتصادي كان أفضل تعبير عنها الاتيان بالعجوز قسطنطين تشيرنينكو ليخلف اندروبوف، وعندما تولى ميخائيل غورباتشوف في العام 1985 الزعامة، حصل ذلك متأخراً ولم يعد أمام الزعيم الشاب سوى الاستسلام امام الولايات المتحدة لعله ينقذ شيئاً من الامبراطورية.
كان ريغان في المكان المناسب في الوقت المناسب. كان في البيت الأبيض عندما افلس النظام الشيوعي ولم يكن عليه سوى قول بعض الكلام عن الاستعداد للدخول في سباق تسلح مكلف كي يعجل في انهيار القوة العظمى الأخرى. ولذلك نسي الأميركيون انه كان محاطاً بمجموعة من الفاسدين والفاشلين أوصلوه الى فضيحة ايران ـ غيت. ونسوا ان ادارته ساعدت في كارثة الغزو الاسرائيلي للبنان وغطتها، ونسوا انه لا يمكن الحديث عن أي انتصارات أخرى في أي مكان من العالم باستثناء ما حصل في غرينادا... لكن ما العمل اذا كان التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، والمنتصرون عن جدارة أم بفضل الحظ وعوامل أخرى من هذا القبيل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00