8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ما حصل في العراق أفضل من لا شيء

يساهم تشكيل حكومة جديدة في العراق برئاسة الدكتور أياد علاوي ثم اختيار رئيس للجمهورية هو الشيخ غازي عجيل الياور في التقدم خطوة في اتجاه تحسين الوضع في البلد، أقله نظرياً. يظل الامتحان الكبير مطلع السنة المقبلة حين يفترض أن تجري انتخابات عامة ينبثق عنها مجلس نيابي يمكن أن يؤسس فعلاً لعراق جديد يصعب القول منذ الآن هل سيكون تجربة ناجحة؟
حقق السيد الأخضر الإبراهيمي نجاحاً نسبياً على صعيد ضمان تشكيل حكومة جديدة يمكن وصفها بأنها متجانسة. صحيح أن الإبراهيمي لم يكن صاحب الكلمة الأخيرة في اختيار أعضاء الحكومة، لكن ما يمكن قوله ان هذه الحكومة تظلّ أفضل بكثير من مجلس الحكم الانتقالي الذي كانت علّته الأساسية تكمن في عدم وجود أي تجانس بين أعضائه. لقد أصرَّ الدكتور علاوي، وكان على حق في ذلك، على أن يختار بنفسه وزراء معينين، ولذلك رفض المرشح الأميركي لوزارة الدفاع وأصرّ على خياره. كذلك الأمر بالنسبة الى الداخلية وهذا يعني بكل بساطة أن وزيري الدفاع والداخلية سيتلقيان التعليمات منه خلافاً لما كان يريده الأميركيون.
ثمة نقطة أخرى تلعب لمصلحة رئيس الوزراء العراقي الجديد. تتمثل هذه النقطة في أنه يمتلك علاقات عربية واسعة. كذلك لدى الياور علاقات أكثر من جيدة مع الدول الغربية على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا. وليس سراً أن معظم علاقات رئيس الوزراء العراقي الجديد هي مع الأجهزة الأمنية العربية والغربية وهذا ما جعله المرشح المفضل لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتولي موقع رئيس الوزراء، في حين أن منافسه المباشر الدكتور أحمد الجلبي كان يتمتع بدعم صقور وزارة الدفاع الذين يبدو أنهم خسروا جولة في صراعهم مع خصومهم داخل الإدارة في الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية التي وقفت دائماً ضد الجلبي.
الى الآن تصرّف الدكتور علاوي عبر تشكيل حكومته أو خطابه السياسي بطريقة مطمئنة للعراقيين ولجيران العراق. يكفي أنه استخدم كلمة "مصالحة" لدى تطرقه الى كيفية لملمة الوضع في الداخل، ويكفي أنه يوحي بإعادة النظر في سياسة اجتثاث حزب البعث ويكفي أنه سيسعى الى أن يكون العراق على علاقة طيبة بجيرانه الذين باتوا الآن يخشون من حال الغوض في هذا البلد بعدما كانوا في الماضي متخوّفين من نجاح الأميركيين في إقامة نموذج لدولة ديموقراطية ناجحة يستندون إليها في احداث تغييرات جذرية في الشرق الأوسط كله.
ان النجاح الأميركي في العراق صار أقرب الى سراب من أي شيء آخر والذي حصل في الأيام الأخيرة عملية حد للإضرار ولملمة للوضع يمكن أن يساعد فيها أيضاً رئيس الجمهورية الجديد الذي ينتمي الى قبيلة شمّر التي تعتبر من أكبر القبائل في المنطقة العربية وأوسعها انتشاراً. ولعل أهمية انتماء الياور الى قبيلة شمّر يعود الى أن هذه القبيلة ليست سنيّة مئة في المئة بل أنها تضم مجموعات شيعية أيضاً. ولا شك أن ذلك سيزيد من شعبية الرئيس العراقي الجديد الذي أظهر في السنة الأخيرة التي كان فيها عضواً في المجلس الانتقالي أنه رجل علاقات عامة من الدرجة الأولى.
ما حصل في العراق من تطورات أفضل من لا شيء، أي من حال الفراغ التي خلّفتها القرارات الأميركية المتلاحقة بدءاً بحل الجيش العراقي وانتهاء بتشكيل المجلس الانتقالي بالطريقة التي شكل بها مروراً بالطبع باللجوء الى التعذيب عن سابق تصوّر وتصميم. وربما كان أفضل ما يمكن أن تؤدي إليه عملية تشكيلة حكومة جديدة فيها مجموعة من النساء العصريات وفيها عدد لا بأس به من التكنوقراط، إضافة بالطبع الى استبعاد العناصر التابعة لأحمد الجلبي، الإعداد الجيد للانتخابات المقبلة. انه التحدي الأبرز الذي يواجه العراقيين الذين قد وجدوا ضالتهم في الثنائي علاوي ـ الياور القادر على إحياء الجيش والمؤسسة الأمنية بالتعاون مع الحزبين الكرديين الكبيرين.
مثل هذه الصيغة القائمة على رئيس شيعي للوزراء بعيد الى حد ما عن الأحزاب الشيعية الساعية الى جمهورية إسلامية على النسق الإيراني ورئيس سنّي للجمهورية يمتلك شرعية مستمدة من التركيبة العشائرية والقبائلية والمناطقية العراقية ودعم كردي يمكن أن تنقل البلد الى مرحلة الانتخابات بسلام، ولكن من دون الرهان على أن العراق سيكون في الضرورة نموذجاً لدول المنطقة كما كان يحلم الأميركيون. ففي النهاية لا ديموقراطية من دون ديموقراطيين، والديموقراطيون في العراق "عملة نادرة" على حد تعبير مثقف ناضل طويلاً لإسقاط صدام حسين ويجد نفسه حالياً على الرف.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00