8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السودان يخوض مجازفة السلام

أخيراً، خبر عربي سار من مكان ما... من السودان. انه خبر التوصل الى توقيع ثلاثة بروتوكولات تمهد لاتفاق سلام نهائي بين الحكومة و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، أي ان السودان بات على قاب قوس أو أدنى من استعادة وضعه الطبيعي في انتظار اتخاذ القرار الكبير المتعلق بما اذا كان البلد سيظل موحداً ام لا. هذا الأمر سيكون مرتبطاً باستفتاء شعبي يجري بعد الفترة الانتقالية التي ستلي توقيع اتفاق السلام النهائي. ويعطي هذا الاستفتاء الجنوبيين فرصة ليحددوا مستقبلهم وليقرروا ما اذا كانوا يريدون الاستمرار مواطنين في دولة السودان.
المهم ان السودان في طريق الخروج من حرب أهلية مدمرة للشمال والجنوب في آن. وليس صحيحاً ان هذه الحرب مستمرة منذ العام 1983 فقط، ذلك انه سبقتها حرب أخرى استمرت حتى العام 1972 حين تم التوصل الى اتفاق سلام خرق في عهد جعفر نميري عام 1983، وكان ان اندلعت الحرب مجدداً وأدت الى سقوط ما لا يقل عن مليون ونصف مليون قتيل وتشريد ما يزيد على أربعة ملايين شخص.
يكفي تعداد عدد القتلى والمشردين للتأكد من أن السلام يظل الحل الأفضل لجميع السودانيين أياً تكن تكاليفه. ولكن كما العادة يحتاج السلام الى قيادة شجاعة والى ظروف دولية ملائمة. وقد توفر هذان العاملان للسودانيين في هذه المرحلة بالذات لأسباب متعددة تسمع بالقول ان السلام مقبل حتى لو تأخر شهراً أو شهرين وحتى سنة أو سنتين.
قبل كل شيء هناك قيادة سودانية على رأسها الفريق عمر حسن البشير تؤمن بأن لا خروج للسودان من أوضاعه الراهنة اذا لم يستطع تحقيق سلام داخلي يؤدي الى وقف حرب الاستنزاف التي تزيد البلد فقراً. ولذلك كان لا بد في المرحلة الأولى من توحيد القرار في الخرطوم والقضاء على المزايدات والمزايدين. وحصل ذلك بطريقة لبقة الى حد ما. وكان لتدخل أحد الزعماء العرب دور في عدم لجوء الرئيس السوداني الى العنف لدى ابعاده الدكتور حسن الترابي عن السلطة. واكتفى البشير بوضع الترابي في السجن لفترة وما لبث ان اطلق سراحه. وقبل ذلك احسن البشير صنعاً عندما سمح بعودة المعارضين من الخارج. وبين الذين عادوا زعيم حزب الامة الصادق المهدي وآخرون مثل السيد مبارك المهدي الذي صار له موقع في السلطة بعدما ابتعد عن الصادق.
اظهرت الاجواء الجديدة ان هناك طرفاً جدياً يمكن التعاطي معه في الخرطوم. هناك الرئيس وهناك نائب الرئيس علي عثمان طه الذي يفاوض الجنوبيين مباشرة وهناك تركيبة سياسية قابلة للحياة وقابلة للتطور والتعاطي مع المتغيرات الاقليمية والدولية.
حسمت القيادة السودانية أمرها وجنحت للسلم في وقت يبدو واضحاً ان الولايات المتحدة تراهن على وضع جديد في هذا البلد يجعل منه احدى بواباتها الى افريقيا. ولذلك كانت القوة العظمى الوحيدة في العالم الطرف الأشد حماسة للتوصل الى الاتفاق السوداني ـ السوداني الذي كان في استطاعتها عرقلته في أي لحظة. ومن الدلائل على مدى ذهاب الادارة الأميركية بعيداً في سياستها الانتهازية تغاضيها عما يدور في اقليم دارفور حيث هناك اتهامات واضحة للحكومة السودانية بتشجيع ميليشيات عربية على ارتكاب مجاز، وذلك من أجل ازالة اي عراقيل عن طريق توقيع البروتوكولات الثلاثة في كينيا يوم الأربعاء الماضي في الـ26 من أيار.
السودان بلد واعد، فيه خيرات كثيرة. هناك نفط يمكن استغلاله سريعاً في الجنوب، وهناك ثروة نفطية اكبر في الشمال تحتاج الى استثمارات ووقت كاف لإقامة بنية تحتية تسمح باستغلالها وهناك اهتمام أميركي بهذا النفط يضاف إليه اهتمام صيني، والأهم من ذلك كله ان هناك قيادة في الخرطوم تدرك ان فرص السلام لا تتوافر كل يوم وان الفرصة التي تفوت قد لا تعود مرة أخرى. لذلك اختارت هذه القيادة الذهاب الى النهاية في المفاوضات علماً بأن القرار الذي اتخذته ينطوي على مجازفة نظراً الى أن الجنوبيين يمكن أن يقرروا بعد الفترة الانتقالية الاستقلال واقامة دولتهم.
في كل الأحوال، يظل خيار السلام الخيار الأفضل للسودانيين أكانوا في الشمال أو في الجنوب، لا لشيء سوى ان خيار الحرب لا يمكن إلا ان يكون خاسراً للجميع في ظل معطيات اقليمية ودولية لا يمكن ان تسمح للشمال العربي بأن يحقق في يوم من الأيام انتصاراً كاسحاً على الحنوب الوثني ـ المسيحي. كان الخيار بين المراهنة على المستقبل والبقاء في أسر الماضي مع التذكر يومياً ان على كل بلد عربي ان يأخذ أموره بيديه، وأن يسعى الى حلول تلائمه نظراً الى أن لا أحد بين الأخوة في وضع يستطيع ان يقدم غير النصائح التي لا تصلح حتى أن تكون مسكنات!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00