8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الكويت وتحديات الوضع العراقي

بعد سنة على سقوط النظام العراقي، تواجه الكويت التي زال عنها كابوس بقاء صدام حسين في السلطة نوعين من التحديات. الأول عائد إلى التطورات التي يشهدها الوضع العراقي والآخر إلى رود فعل بعض المجموعات في الداخل. مجموعات من النوع الذي لم يتعلم شيئاً من تجارب الماضي القريب أو البعيد. من النوع الذي يرفض طرح سؤال في غاية البساطة؛ ماذا لو لم يتحرك العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت؟ وماذا لو لم يوفر العرب الغطاء الكافي للتحالف الدولي كي ينهي الاحتلال؟ وماذا لو لم تكن هناك قيادة كويتية تدرك الموازين الاقليمية والدولية جيداً، وتدرك خصوصاً ان عليها اتخاذ قرارات جريئة من اجل انقاذ الكويت واعادتها الى شعبها مستفيدة من شبكة من العلاقات العربية والدولية ومن الموقع الاستراتيجي للبلد والتلاحم بين الشعب والعائلة الحاكمة ومن ثروات الكويت طبعاً؟
هل كان يمكن التخلي عن الكويت باسم الشعارات الفارغة التي جلبت للعراقيين الموت والدمار والفقر؟ أم أن الخيار الوحيد المتاح وقتذاك كان خيار التحرير بعيداً عن أي نوع من العقد. كان الخيار واضحاً بين أن تعود الكويت الى أهلها وبين أن تبقى أسيرة رجل المنطقة المريض الذي اسمه صدام حسين.
الآن وبعدما يزيد على ثلاث عشرة سنة على تحريرها، تبدو الكويت حكاماً وحكومة وشعباً منشغلة بالعراق، ذلك أن الاحتلال الأميركي الذي ادى الى اسقاط النظام لم يدرك ان صدام حسين خلق تركة ثقيلة نظراً الى أنه قضى على النسيج الاجتماعي للمجتمع ، وكان رحيله كفيلاً بإطلاق العنان لكل أنواع الغرائز اكانت ذات طابع قومي أو مذهبي.
وربما كان أخطر ما في الوضع الذي يعيشه العراق ان وحدة البلد مهددة اضافة بالطبع الى ان الصراعات داخل البلد يمكن أن تنعكس على جيرانه بما في ذلك الكويت. ولذلك ليس امام الكويت سوى تحصين نفسها بعيداً عن أي نوع من المزايدات يطلقها هذا النائب الاسلامي أو ذاك او احد التجمعات التي صار همها الدفاع عن الفلوجة أو مقتدى الصدر الذي لا يشبه سوى زعماء الميليشيات اللبنانية ابان الحرب الأهلية وحروب الآخرين على ارض لبنان.
بالطبع لا يمكن الا انتقاد بعض التصرفات الأميركية في العراق خصوصاً انه يتبين كل يوم ان الولايات المتحدة لم تكن تمتلك خطة واضحة لمرحلة ما بعد اسقاط النظام. كما لم تكن على دراية بما ينتظرها في هذا البلد، لكن شن الحملات على الأميركيين لا يخدم لا الكويت ولا العراق. على العكس من ذلك ، إن مثل الحملات التي تعلن تضامنها مع الفلوجة احياناً ومع مقتدى الصدر في أحيان أخرى وتذهب الى حد اتهام الحكومة الكويتية "بزرع الطائفية وايقاظ الفتنة" تسيء الى مستقبل العراق والعراقيين. واذا كان من نصيحة تقدم الى العراقيين فهي تبدأ بأن عليهم ان يأخذوا في الاعتبار أولاً أن أميركا خلصتهم من نظام المقابر الجماعية الذي اسمه نظام صدام حسين. ثم إن أميركا لا تريد البقاء الى ما لا نهاية في بلدهم، ولذلك فان اخراجها منه في اسرع وقت مرتبط الى حد كبير بوجود ارادة سياسية موحدة تدعو الى انهاء الاحتلال من جهة واتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على الأمن والهدوء في البلد من جهة أخرى. فهل يمكن القول ان العراقيين قادرون على ذلك حالياً؟
بكل بساطة، ان المواقف التي يتخذها اسلاميو الكويت بحجة ان حكومتهم لم تفعل ما يجب أن تفعله على صعيد ادانه السياسة الأميركية في العراق، تمثل دعوة إلى الدخول في مزايدات لا طائل منها. انها دعوة صريحة الى العراقيين من أجل تفادي اعتماد سياسة عاقلة في مواجهة الاحتلال. ولا شك أن غياب مثل هذه السياسة العاقلة سيؤدي الى حرب أهلية ستعتبر حرب لبنان التي استمرت خمس عشرة سنة نزهة بالمقارنة معها.
كانت الكويت دائماً دولة خليجية متقدمة تتسم سياستها بمقدار كبير من الحكمة والاعتدال. وكان مجتمعها ولا يزال مجتمعاً منفتحاً يعرف كيف يستفيد من كل ما هو حضاري. لقد كان هذا المجتمع على تواصل مع محيطه والعالم، بل كان متقدماً على هذا المحيط في مجالات كثيرة، والمؤسف حالياً ان توجد في البلد قوى تحاول شد الكويت إلى خلف في حين أن هناك دولاً أخرى في المنطقة كقطر وعمان على سبيل المثال تقدم على خطوات كبيرة في اتجاه تطوير مجتمعاتها ويشمل كذلك تطوير البرامج التعليمية وتنظيم انتخابات واعطاء المرأة حقوقها وخوض تجربة ديموقراطية حقيقية بعيداً عن أي نوع من المهاترات. فاذا كان النواب الاسلاميون في الكويت حريصين بالفعل على بلدهم وحريصين فعلاً على الشعب العراقي، ما عليهم سوى المحافظة على الخط العقلاني الذي تنتهجه حكومة الشيخ صباح الأحمد تجاه ما يدور في العراق من جهة والسعي الى ادخال بعض المنطق الى عقول العراقيين من جهة أخرى، كي لا يقال يوماً انهم لا يستأهلون التحرر من نظام صدام حسين!
تبقى ملاحظة أخيرة ان انسحاب الأميركيين من العراق اليوم يشكل الطريق الأقصر الى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس وترافقها عمليات تنظيف عرقي لا تذكر الا بمذابح رواندا التي مضت عليها عشر سنوات. هل هذا ما يريده اسلاميو الكويت من خلال مزايداتهم أم يريدون العراق بلداً ديموقراطياً مستقراً متصالحاً مع نفسه ومع جيرانه ومع العالم؟ الأكيد انه ليس بمثل هذه التصرفات من داخل يمكن تحصين الكويت في وجه التحديات التي مصدرها الخارج والوضع العراقي تحديداً بكل تعقيداته واخطاره وغرائزه المنفلتة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00