يوم 11 آذار 2004 حصل انقلاب في اسبانيا. انقلاب سيكلف العرب كثيراً، على غرار ما كلفتهم جريمة 11 أيلول 2001. هذه المرة جاء دور اوروبا بعد أميركا، وكأنه لا يكفيهم عداء القوة العظمى الوحيدة في العالم لهم ولقضاياهم، فقد كان مطلوباً استعداء اوروبا أيضاً واسبانياً تحديداً الدولة التي وقف شعبها تاريخياً موقفاً معقولاً من النزاع الشرق أوسطي ورفض باستمرار الانحياز إلى اسرائيل.
تستطيع "القاعدة" أو التنظيم المرتبط بها الذي ارتكب جريمة 11 آذار الجاري التبجج بتغيير الحكومة الاسبانية واسقاط حزب خوسيه ماريا أثنار اليميني المتحالف مع الولايات المتحدة وبريطانيا في حرب العراق. لكن الثمن الذي سيدفع في المدى الطويل، سيكون عربياً أولاً وأخيراً، ذلك ان الشعب الاسباني لن ينسى ابداً الجريمة التي ارتكبت في مدريد وذهب ضحيتها مئتا بريء إضافة إلى نحو ألف وخمسمئة جريح. من الآن هناك أصحاب محلات وحانات ومطاعم في أنحاء مختلفة من اسبانيا يقولون لموظفيهم العرب أن عليهم ألا يعودوا إلى العمل "اذا ثبت أن تنظيماً اسلامياً متطرفاً وراء العمل الشنيع".
كانت نسبة تسعين في المئة من الشعب الاسباني معارضة لحرب العراق التي أيدها رئيس الوزرء الحالي خوسيه ماريا اثنار الذي سيعتزل السياسة بعد الانتخابات. وذهب اثنار في تأييده إلى حد تحوله شريكاً فعلياً فيها الى جانب بوش الابن وتوني بلير. وشاركهما حتى في اتخاذ كل القرارات الكبيرة مضحياً بالعلاقات التي كانت تربط بلاده بفرنسا والمانيا وهي علاقات من النوع التقليدي تاريخياً جعلت سياسات البلدان الثلاثة في الماضي قريبة من بعضها بعضاً إلى حد شكلت كتلة داخل الاتحاد الأوروبي. غيّر اثنار اليميني المعادلة داخل اوروبا ورسم سياسة اسبانية جديدة لا علاقة لها بالماضي القريب جعلت بلاده اقرب الحلفاء الأوروبيين الى اميركا... بعد بريطانيا طبعاً.
ولكن ماذا سينفع العرب عموماً ان تسحب اسبانيا قواتها من العراق نتيجة تغيير فرضته "القاعدة" أو غير "القاعدة". وماذ ا سيستفيدون من قول خوسيه لويس زاباتيرو، زعيم حزب العمال الاشتراكي الذي يتوقع ان يكون رئيس الوزراء الجديد، ان حرب العراق كانت "كارثة".
وما هي الفائدة من تدمير الصورة التي اراد اثنار ان يخرج بها من السلطة بعد ثماني سنوات في رئاسة الحكومة، وهي صورة سياسي زاهد بالسلطة قرر ا لتقاعد وهو في الواحدة والخمسين من العمر مفسحاً في المجال لحزبه كي يبقى في السلطة لسنوات اربع أخر! بعد جريمة مدريد، سيترك اثنار السلطة غير مأسوف عليه بعدما خسر حزبه الانتخابات التي بقي مرجحاً فوزه فيها الى ما قبل 72 ساعة من حصولها، وبعدما رفع المتظاهرون والناخبون في شوارع المدن الاسبانية صورة جمعت بين اثنار وبوش الابن وبلير وكتب تحتها: هذه الصورة كلفتنا مئتي قتيل!
تبدل الموقف الاسباني من حرب العراق، لكن الذي تبدل ايضاً هو موقف شعب صديق حافظ مع حكومته باستمرار على حد ادنى من الموضوعية في التعاطي مع القضايا العربية عموماً.
ويخشى الآن ان يصبح هذا الشعب معادياً لكل ما هو عربي او مسلم من دون تمييز بين الاشخاص والحكومات والدول وألا يكون هناك طرف مستفيد من الذي حصل سوى اسرائيل على غرار ما حصل بعد احداث 11 أيلول.
هذا هو الواقع المرير الذي فرضته جريمة قطارات مدريد التي ادت الى رفع حال التأهب واتخاذ اجراءات امنية شديدة في كل انحاء اوروبا شملت محطات القطارات، حتى إن العيون صارت تلاحق كل صاحب بشرة سمراء يدخل محطة للقطارات في أوروبا أو متجراً كبيراً .
بكلام أوضح يفترض في الجانب العربي الا يعتقد في أي لحظة ان المنظمات المتطرفة التي تستغل الدين لتحقيق مآربها وارتكاب جرائمها يمكن أن تكون اداة في المساومات السياسية مع اوروبا او الولايات المتحدة. على العكس من ذلك أن على أي دولة عربية او غير عربية تؤوي عناصر من "القاعدة" اوما شابهها أو توفر لها أماكن يتدربون فيها ان تعي أن مثل هذه السياسة سترتد عليها عاجلاً أم آجلاً. ولا يمكن أن يغيب عن البال في أي لحظة ان الارهابيين اعتدوا على أبرياء في الدار البيضاء والرياض وجربا في تونس وأماكن أخرى كثيرة ولم يوفروا المسلمين ولا ضيوف المسلمين.
من أجل عدم خسارة اسبانيا، لا بد من توجه عربي في اتجاهها بغية الحد من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالعرب المقيمين في هذا البلد وبينهم الآف العمال المسالمين من بلدان شمال افريقيا. اما الأهم من ذلك، فيكون بتأكيد العرب كل العرب ومن دون استثناء ان الحرب على الارهاب قضيتهم وانهم يخوضون هذه الحرب حماية لمصالحهم أولاً وللمحافظة على ما بقي لهم من اصدقاء في أوروبا وغير أوروبا ثانياً وسعياً إلى إعادة مد الجسور مع أميركا ثالثاً...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.