8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يمكن للعرب الاستفادة مما حصل في قبرص؟

وصلت المفاوضات القبرصية ـ القبرصية من أجل اعادة توحيد الجزيرة المقسمة منذ العام 1974 إلى طريق مسدود، لكن ذلك لم يحل دون تحديد ممثل الأمم المتحدة يوم 20 نيسان المقبل موعداً لعمليتي استفتاء في شطري الجزيرة. ويتوقع أن يؤدي الاستفتاء إلى تجاوز العقبات التي تواجه المفاوضات وأن يوافق كل من القبارصة اليونانيون والقبارصة الأتراك على أن تكون الجزيرة دولة موحدة مجدداً. لن تفوت القبارصة الأتراك فرصة قول "نعم" لإعادة توحيد الجزيرة، ذلك ان من دون تلك الـ"نعم" سينضم الشطر اليوناني وحده الى الاتحاد الأوروبي ابتداء من أول ايار المقبل، وستواجه تركيا صعوبات في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي الذي سيتهمها بدعم معرقلي اعادة توحيد الجزيرة.
ماذا يعني ذلك كله؟ يعني انه عندما تكون هناك ارادة دولية فعالة، في الامكان التوصل الى تسوية للنزاعات الاقليمية تقوم على الأسس التي تطرحها الأمم المتحدة وذلك بغض النظر عن تشنج يصدر عن هذا الظرف الاقليمي او ذاك. لقد ذهب رئيس جمهورية قبرص التركية رؤوف دنكطاش الى حد الذهاب الى انقره لانتقاد الحكومة التركية على موقفها من المفاوضات، لكن حملته لم تلق آذاناً صاغية، ووجدت الحكومة ان من مصلحتها التخلي عن طرح دنكطاش وترك اللعبة السياسية تأخذ مداها، أي ان يصوت القبارصة الاتراك لمصلحة الوحدة. ومعروف أن أكثرية هؤلاء يريدون الانتهاء من الحواجز التي تفصلهم عن القبارصة اليونانيين بعدما امضوا ثلاثين سنة في عزلة وتركيا منفذهم الوحيد على العالم.
سيكون يوم 20 نيسان عيداً وطنياً في الجزيرة، اللهم إلا اذا حصلت مفاجأة واستطاع دنكطاش ايجاد وسيلة لتعطيل الاستفتاء لدى القبارصة الاتراك. مثل هذه المفاجأة مستبعدة في ظل رغبة تركية واضحة في تسهيل الحل في قبرص من منطلق ان لأنقرة مصلحة في ذلك...
لو ترك القبارصة اليونانيون والاتراك يتفاوضون ثلاثين سنة أخرى لبقيت الأوضاع على حالها ولكان وجد كل طرف طريقة لإفشال المفاوضات، فلماذا لا تكون قبرص مثلاً يحتذى به اذا كان مطلوباً ايجاد تسوية للنزاعات القائمة في الشرق الأوسط والتي عمرت ضعفي ما عمرته الأزمة القبرصية. بكلام واضح، اذا وجدت ارادة دولية من اجل تحقيق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ولإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي السورية، لن يكون في استطاعة اي طرف التملص من استحقاقات التسوية. لقد اظهرت تجارب السنوات الأخيرة ان الفلسطينيين والاسرائيليين غير قادرين على تحقيق سلام على الرغم من ان الصيغة التي يمكن اعتمادها لتسوية موجودة. وهذا ما اثبتته "وثيقة جنيف" التي تندرج في المسار الطبيعي للمفاوضات التي بدأت بتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وانتهت في طابا في الشهر الأول من العام 2001. وادت تلك المفاوضات التي جرت في طابا وكانت استكمالاً لقمة كامب ديفيد بين الرئيسين كلينتون وياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك في تموز من العام 2000، الى تسوية تسعين في المئة من المسائل العالقة، ولم يكن طبيعياً في هذه الحال بقاء الوضع في طريق مسدود. وجاءت "وثيقة جنيف" لتثبت ان في الامكان التوصل الى حل نهائي شرط وجود رغبة دولية في ذلك، رغبة في اقناع ارييل شارون بان يطبق ما قاله في 26 أيار من العام الماضي للاسرائيليين عن أن "فكرة ان في الامكان الاستمرار في الاحتفاظ بثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني تحت الاحتلال ـ نعم انه احتلال وقد لا تحبون هذه الكلمة، لكن ما يجري هو احتلال ـ فكرة سيئة لاسرائيل والفلسطينيين وللاقتصاد الاسرائيلي.
ان السيطرة على ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني لا يمكن أن تستمر الى ما لانهاية . هل تريدون البقاء في جنين ورام الله ونابلس وبيت لحم؟".
الآن وقد باشر شارون فك الارتباط مع الجانب الفلسطيني يبدو مفيداً صدور دعوة عربية الى العالم من أجل التوصل الى حل، حتى ولو جاء هذا الحل مفروضاً ومرتبطاً بشرط وحيد هو التزام قرارات الشرعية الدولية كما تفسرها الأمم المتحدة. وهذا الشرط لا يمكن تسميته شرطاً ما دام كل ما يطلبه العرب التزام القانون الدولي. لعل القمة العربية توفر فرصة للاقدام على خطوة جريئة في هذا الاتجاه، خطوة تذهب الى ابعد من مبادرة السلام التي اقرتها قمة بيروت والتي حاربها شارون بكل الوسائل المتاحة خصوصاً ان صدورها ترافق مع عملية انتحارية في نتانيا استهدفت مدنيين يحتفلون بالفصح اليهودي!
يفترض في الزعماء العرب ان يبحثوا جيداً في ما يمكن أن تكون عليه الخطوة الجريئة التي عليهم الاقدام عليها، ذلك ان التحديات التي تواجههم متعددة ومتنوعة خصوصاً في ظل وجود ادارة أميركية يعتبر المحافظون الجدد فيها ان عليهم الاتيان ببنيامين نتنياهو بديلاً من ارييل شارون لتنفيذ مخططاتهم المتعلقة بالمنطقة وذلك من منطلق ان عقل نتنياهو يتماشى مع فكرة الشرق الأوسط الكبير اكثر بكثير من عقل شارون. والأخير لا يحبذ الأخذ والرد كثيراً مع المسؤولين الأميركيين، وكل ما يريده منهم تأييد خطواته الهادفة الى تكريس احتلاله لأراض عربية في الضفة الغربية والجولان بغض النظر عن المشاريع الأميركية للمنطقة.
يحتار المرء في تحديد هل شارون اخطر من نتنياهو ام العكس هو الصحيح. ولكن يفترض في الحيرة ان تتوقف عند حدود معينة وان تتحول تعميماً على كسر الحلقة المفرغة التي اسمها العنف المتبادل والتي تعتمد عليها السياسة الإسرائيلية لتوجيه كل انواع الاتهامات إلى العرب وتأليب الرأي العام العالمي عليهم. وفي استطاعة الجانب العربي القول إن الحل في قبرص، والذي بدأت تتبلور ملامحه دليل على انه لا توجد ازمة لا يمكن الانتهاء منها متى توافرت الإرادة الدولية. كل ما يطالبون به هو الاحتكام الى الشرعية الدولية وقراراتها وهم على استعداد للقبول بحكم محايد اسمه الأمم المتحدة. يمكن أن يشكل مثل هذا الطرح تحدياً للعالم وللولايات المتحدة. وأوروبا تحديداً بدل بقاء الكرة في الملعب العربي في ظل ممارسات أميركية واسرائيلية اقل ما توصف به انها ظالمة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00