8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تريد أميركا إصلاح المنطقة أم تفكيكها؟

يحتاج الشرق الأوسط الى اصلاحات في العمق والاصلاحات مصلحة عربية أولاً، ولكن من الصعب أن تؤدي طريقة الطرح الأميركية للاصلاحات إلى نتائج تذكر، مع الاعتراف طبعاً بأن الولايات المتحدة التي تشكل القوة العظمى الوحيدة في العالم قادرة على فرض تغييرات واعادة رسم خريطة المنطقة، ولكن هل يعني اعاد ة رسم خريطة المنطقة انطلاقاً من الذي حصل في العراق ان الشرق الأوسط سيصبح أكثر ديموقراطية وفي وضع أفضل؟ ام ان ما قامت به أميركا حتى الآن بما في ذلك طرح فكرة الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان الى موريتانيا سيؤدي الى نتائج عكسية؟
في طليعة النتائج العكسية التي يمكن أن تؤدي إليها الأفكار الأميركية زيادة التطرف، ذلك ان ما تدعو اليه واشنطن لا يأخذ في الاعتبار ان المنطقة لا تحتاج الى مجرد اصلاحات لكنها تحتاج في الوقت نفسه الى سلام. نعم هناك مسؤوليات كبيرة تتحملها الحكومات العربية بما في ذلك النتائج السيئة المترتبة على تفادي معظمها المشاكل الأساسية التي تعاني منها المجتمعات في دول المنطقة بدءاً بالنمو السكاني وانتهاء بالبرامج التعليمية مروراً بحقوق المرأة ودورها.
لكن المنطقة تحتاج الى سلام ايضاً والى حل عادل في فلسطين، وللأسف هناك شعور في الشرق الأوسط الصغير والمتوسط والكبير بأن أميركا مقصرة في هذا المجال وأن القوة العظمى الوحيدة التي تسعى الى فرض قيمها على الآخرين بما فيها الديمقراطية انما تريد ايضاً فرض الاحتلال عليهم والا كيف يمكن تفسير التجاهل الكامل لما ترتكبه اسرائيل من جرائم والتركيز في المقابل على الأخطاء التي يرتكبها الجانب الفلسطيني المغلوب على امره والذي فقد أي امل في ان يتعاطى معه العالم من منطق انه مجرد شعب يسعى الى الحصول على ابسط حقوقه؟
غالباً ما يكون الرد الأميركي على هذ الكلام الذي يستعيد قضية فلسطين والاحتلال الاسرائيلي للارض العربية بأن العرب مهووسون بالقضية الفلسطينية وانها ذريعة تلجأ اليها الانظمة لممارسة عملية هروب الى أمام. لو كان ذلك صحيحاً لما كانت الحكومة البريطانية وجدت نفسها مضطرة الى الإدلاء بدلوها في ما بدا محاولة واضحة لملء الفراغات في الأفكار المطروحة أميركياً. ولعل أكثر ما يلفت في الطرح البريطاني الذي جاء في خطاب القاه يوم الاثنين الماضي وزير الخارجية جاك سترو التركيز على ان محاولة فرض اصلاحات من خارج تثير حساسيات في العالم العربي وان المطلوب التوصل الى "شراكة" بين العالم العربي وأوروبا أكثر من أي شيء آخر.
طرح سترو افكاراً جريئة منها ما هو متعلق بحقوق المرأة والتحديات التي تواجه المنطقة العربية مثل الارهاب وامتلاك اسلحة الدمار الشامل. وذهب حتى الى الحديث عن دور لحلف شمال الأطلسي في المساعدة في مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط، لكنه لم ينس الأمر الاساسي المتمثل في ان "على العالم العربي نفسه ان يحدد ما هي افضل السبل لمتابعة عملية الاصلاح والنمو والتحديث وان لا وجود لوصفة واحدة تصلح لكل بلدان المنطقة". ولم ينس سترو خصوصاً الاشادة بالاسلام كدين لا يتناقض مع الاصلاح والتقدم، كما لم ينس الاشارة الى ان "الفلسطينيين ما زالوا من دون الدولة التي يحق لهم امتلاكها". والى ان استمرار الوضع الراهن بين الاسرائيليين والفلسطينيين يجعل التغيير اكثر صعوبة ويلقي بظلاله على مجمل العلاقة بين العالم الاسلامي والغرب".
مالم يقله الأميركيون قاله البريطانيون، وما لم يفهمه الأميركيون فهمه البريطايون، واذا كان من حاجة الى تأكيد ان الاصلاحات ضرورية في الشرق الاوسط لكن فهناك مشاكل أخرى لا بد من حلها في موازاة الكلام عنها، جاء الحدث العراقي ليوفر هذا التأكيد .
فما حصل يوم الثلاثاء الماضي في بغداد وكربلاء في أثناء مسيرات عاشوراء جريمة بكل معنى الكلمة، لكنه يعكس في الوقت نفسه الحاجة الى معالجة الموضوع العراقي من زاوية مختلفة تتجاوز مسألة الاصلاحات. والمؤسف ان الجريمة الدنيئة جاءت بعد اقل من 24 ساعة من اقرار قانون ادارة الدولة في الفترة الانتقالية والذي يتضمن المبادئ العامة التي يمكن اعتمادها للدستور الجديد الذي سيُحكم العراق بموجبه.
تبين في ضوء الاحداث المؤسفة في العراق ان من المهم التوصل الى اتفاق على المبادئ التي سيقوم عليها الدستور الجديد، لكن من المهم ايضاً الاعتراف بأن البلد في حال يرثى لها وان السياسة الأميركية ادت الى انفلات الغرائز، كل انواع الغرائز خصوصاً تلك التي ترتدي طابعاً مذهبياً. ربما كان عراقيون وراء سلسلة الانفجارات في ذكرى عاشوراء وربما كان وراءها جهاز اجنبي وربما عرب ينتمون الى "القاعدة" او ما شابهها الا ان ما لا يمكن تجاهله هو ان على اميركا قبل ان تتحدث عن الشرق الأوسط الكبير ضبط اوضاع الشرق الاوسط الصغير، أكان ذلك في فلسطين أو العراق، من دون ذلك يمكن القول من الآن ألف سلام على الاصلاحات حتى ولو جاءت بريطانيا لتنبه الولايات المتحدة الى النواقص التي تتضمنها افكارها ولملء الفراغات الموجودة في طرحها، وهي فراغات كفيلة بنسف هذا الطرح من اساسه، ولكن من قال إن اميركا تريد اصلاح المنطقة بدل تفكيكها؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00