8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

كي لا يكون الحوار الفلسطيني حواراً من أجل الحوار

هل ينفع حوار فلسطيني ـ فلسطيني إذا كان الهدف المزايدة من دون أخذ في الاعتبار لواقع قائم على الأرض يتمثل في ان المطلوب التصدي لأرييل شارون وسياساته وليس مساعدته؟.
المهم ان يبقى هذا الحوار في إطار ممارسة التصعيد الكلامي ليس إلا، وأن تظل الهدنة قائمة من دون ان يعني ذلك وقفاً للمقاومة. فالهدنة تعني أولاً وأخيراً استمرار التصدي للاحتلال في الأراضي المحتلة في العام 1967 وتفادي أي نوع من العمليات الانتحارية خارجها خصوصاً تلك التي تستهدف مدنيين.
لا بأس ان يكون هناك في الجانب الفلسطيني من يرفض "خارطة الطريق" أو "وثيقة جنيف"، ذلك ان مثل هذا الموقف مطلوب وهو يظهر ان هناك ديموقراطية فلسطينية وأن هناك في الجانب الفلسطيني من يرفض التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين التاريخية تماماً مثلما ان هناك في الجانب الإسرائيلي من يصر على "إسرائيل الكبرى" التي تشمل الضفة الغربية وغزة وحتى شرق الأردن الذي كان ارييل شارون يصر على اعتباره جزءاً من "أرض إسرائيل".
تبين منذ قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 ان ياسر عرفات لا يمكن ان يفرط بالحقوق الفلسطينية، وعندما طلب منه انهاء الصراع في مقابل صيغة غير واضحة رفض ذلك على الرغم من كل الضغوط التي تعرض لها والتي جلبت عليه غضب الرئيس كلينتون الذي ترك نصيحة لبوش الابن فحواها ان لا جدوى من التعاطي مع "أبو عمار" أو التفاوض معه.
كان ذلك واضحاً لكثيرين قبل قمة كامب ديفيد، أي كان واضحاً ان عرفات لن يوقع على وثيقة تنهي النزاع إذا لم يكن مقتنعاً بأنها تؤمن الحد الأدنى من الحقوق التي تضمن للشعب الفلسطيني الإقامة في دولة "قابلة للحياة" على حد تعبير بوش الابن نفسه، وذلك استناداً الى حدود 1967. وجاءت قمة كامب ديفيد وما تلاها كي يتبين ان الرجل على استعداد للذهاب بعيداً في رفض صفقات لا يتوافر فيها الحد الأدنى من المطلوب فلسطينياً بما في ذلك ان تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية.
لذا، لا يستطيع المزايدون المزايدة على أحد، ما دام ليس هناك من هو على استعداد للتفريط بشيء. كل ما يستطيع ان يفعله هؤلاء، إذا كانوا يريدون لعب دور مفيد هو الاستمرار في الإعلان انهم يريدون فلسطين "من البحر إلى النهر" على غرار ما كان يقول صدام حسين، وأن يتركوا أمر الهدنة لياسر عرفات الذي تصرف بحكمة في الأشهر الأخيرة بعدما أيقن ان قرار عسكرة الانتفاضة كان قراراً خاطئاً.
بوضوح شديد، ان الوقت ليس وقت المزايدات وذلك بعدما تأكد ان الهدنة غير المعلنة المستمرة منذ ما يزيد على شهر ونصف شهر أتت بفوائد جمة للجانب الفلسطيني وحتى للجانب العربي. والدليل على ذلك ان الإدارة الأميركية بدأت تنتقد شارون على الرغم من ان مواقفها منه لا تزال تتسم بالخفر والحياء. ولكن ما الضرر من تشجيع وزير الخارجية كولن باول واضعي "وثيقة جنيف"؟، وما الضرر من الرفض الأميركي لـ"الجدار الأمني" الذي يصر عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي لتكريس الاحتلال؟، وما الضرر من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى انهاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان؟، وما الضرر من تحرك الاتحاد الأوروبي في اتجاه نقل قضية "الجدار الأمني" إلى محكمة العدل الدولية؟.
إن كل ما حصل الأسبوع الماضي على الجبهة الديبلوماسية يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته، وذلك عائد إلى انه لم تحصل عمليات انتحارية داخل "الخط الأخضر" أي خط 1967، فيما استمرت المقاومة في الضفة وغزة. ولم يجد شارون أمام هذا الوضع سوى ارتكاب مزيد من الجرائم من جهة والسعي إلى التحايل على الجهود المبذولة لإطلاق عملية السلام من جهة أخرى. وأبرز هذه الجهود "وثيقة جنيف" التي أظهرت ان هناك حلاً وأنه متى توافرت النية الصادقة يمكن التوصل إلى تسوية في شأن كل القضايا الشائكة بدءاً باللاجئين وانتهاء بالقدس مروراً بالحدود الفاصلة بين دولتي فلسطين وإسرائيل. وبعد ذلك في استطاعة كل طرف إقامة الجدار الذي يريده متى كان هذا الجدار على حدود متفق عليها استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية.
ان الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني مهم وضروري في آن، حتى داخل حركة "فتح" نفسها التي تحتاج إلى إعادة تنظيم صفوفها والتوصل إلى تفاهم بين قياداتها قبل متابعة الحوار مع "حماس" وغير "حماس" في القاهرة. ومثل هذا الحوار دليل عافية وصحة شرط ان يكون هناك التزام بالموقف الذي تتخذه القيادة الفلسطينية من العمليات الانتحارية. وفي غياب مثل هذا الالتزام سيكون الحوار بين الفصائل أقرب إلى حوار من أجل الحوار وذلك على طريقة التفاوض من أجل التفاوض التي يعتمدها شارون من أجل تمرير الوقت وتوفير واقع جديد على الأرض اسمه الاحتلال.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00