8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المخرج من المأزق الأميركي توازن داخلي في العراق

تبحث الإدارة الأميركية منذ الآن عن مخرج من المأزق العراقي الذي أوقعت نفسها فيه، إنه مأزق يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. ولم يكد القائد الأميركي في العراق الجنرال سانشيز يعلن ان نسبة الهجمات على القوات الأميركية وتلك المتحالفة معها خفت بنسبة ثلاثين في المئة حتى طرأ تصعيد. لم يكن التصعيد في عدد العمليات فحسب، بل كان نوعياً ايضاً، ولم تمض ثماني وأربعين ساعة على مجيء الرئيس بوش الابن الى العراق في زيارة كانت أقرب الى غارة تحت جنح الظلام حتى قتل الضباط الاسبان السبعة الذين ينتمون الى الاستخبارات.
وبعد ساعات قتل ديبلوماسيان يابانيان ثم رجل أعمال كولومبي ثم مهندسان كوريان جنوبيان.
كانت الرسالة واضحة وفحواها ان المقاومة أعادت تنظيم نفسها خصوصاً في منطقة المثلث السني وباتت تمتلك رؤية سياسية واضحة إذ ان هدفها لم يعد قتل الأميركيين فقط بل عزل السياسة الأميركية عن طريق ممارسة ضغوط على الدول التي أرسلت أو تنوي إرسال قوات الى العراق كي تعود عن قرارها. والرسالة موجهة الى الأوروبيين أولاً وإلى اليابان وكوريا الجنوبية آخراً.
كان الردّ الأميركي على هذه العمليات قول ناطق عسكري إنها دليل على ان المقاومة ضعفت وأنها تلجأ الى اختيار "أهداف سهلة" بدل الجنود الأميركيين. ولكن بعد ساعات تبين ان هذا الكلام للاستهلاك الداخلي، أي لطمأنة الرأي العام الأميركي الى ان الوضع في العراق ليس سيئاً الى درجة أن المقاومة دخلت مرحلة جديدة باتت تدرك فيها ان المطلوب عزل الولايات المتحدة عن حلفائها ومنع هؤلاء الحلفاء من نجدة القوة العظمى الوحيدة في العالم!
عملياً ان أميركا تدفع حالياً ثمن مغامرتها العراقية غير المدروسة، وهي تدفع أولاً ثمن اجتياح العراق من دون غطاء من الأمم المتحدة ومن دون ان تكون لديها أي أدلة على امتلاك النظام أسلحة للدمار الشامل. وتدفع خصوصاً ثمن الاتكال على حلفاء عراقيين لديهم أجندة خاصة بهم لا علاقة لها بالمصالح الأميركية. هؤلاء استطاعوا إقناع رجال الإدارة الأميركية على رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومساعديه بأن الحرب على العراق ستكون نزهة. نعم كانت الحرب نزهة وسقط النظام في 9 نيسان الماضي وأعلن الرئيس بوش الابن في أول أيار انتهاء الحرب من ظهر حاملة طائرات ليفاجأ بعد أيام بأن الحرب مستمرة وتزداد ضراوة.
وإذا عدنا الى الخلف قليلاً، وجدنا ايضاً ان المشكلة سياسية في أساسها وهي تعود الى انه لم يوجد في الإدارة الأميركية من يعرف طبيعة نظام صدام حسين وكيف ان الرجل جعل العراق بلداً غير قابل لأن يُحكم بعد سقوط نظامه الذي قضى على النسيج الاجتماعي العراقي ساعده في ذلك نظام العقوبات الذي فرض على العراق واستمر زهاء ثلاث عشرة سنة اضطرت خلالها العائلات العراقية الى بيع أعز ما عندها لتتمكن من شراء الطعام والدواء، فيما كان صدام يتابع بناء قصوره...
وإضافة الى عدم الاستعداد جدياً لمعالجة التركة التي خلفها صدام، لجأت الادارة الى ايران التي أمنت لها في رحلة ما غطاء شيعياً للمعارضة عندما جعلت "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" يشارك في مؤتمر لندن الذي عقد قبل سنة وذلك بعد تحول أحمد الجلبي صلة الوصل بين واشنطن وطهران! ولم تدرك واشنطن، وربما ما زالت غير قادرة على ادراك ان ايران ليست جمعية خيرية وأن لديها مصالحها في العراق وهي تعتبر الأميركيين مجرد عابرين في العراق فيما هي باقية على حدوده. وسيكون وجودها في الداخل العراقي أقوى وأكثر فعالية بعدما أمن لها الجيش الأميركي اسقاط نظام صدام وتكريس الشيعة "أكثرية" في البلد... بشكل رسمي!
الأكيد أن الرد على كل هذه الأخطاء السياسية التي تشكل سلسلة لا نهاية لها لا يكون بعمل عسكري يؤدي الى قتل 54 عراقياً في سامراء، وهذا عمل لا يبرره سوى ثبوت ان القتلى كانوا يحاولون فعلاً نصب مكامن للقوات الأميركية، وهو أمر مستبعد، مثلما انه يستبعد ان يكونوا من تنظيم "فدائيي صدام". على العكس من ذلك ان الرد يكون بتحرك سياسي يأخذ في الاعتبار ان العراق لا يحكم من دون اعادة الحياة المدنية الى بغداد التي هي مدينة سنية وشيعية وكردية وفيها حتى بقايا يهودية اضافة الى احياء مسيحية طبعاً. ومن بغداد يمكن الانطلاق في اتجاه تثبيت الأمن في المناطق الأخرى.
اضافة الى السعي مجدداً الى ايجاد غطاء للاحتلال الأميركي تؤمنه الأمم المتحدة، لا مفر للأميركيين من السعي الى ايجاد توازن داخلي في العراق، توازن لا يتجاهل الاحزاب الدينية اكانت شيعية أو غير شيعية، ولكنه لا يكون تحت رحمتها. بالسياسة أولاً يعالج الموضوع العراقي ويمكن ايجاد مخارج. وبالسياسة تستطيع القوات الأميركية الخروج في معظمها من البلد بحلول حزيران المقبل بأقل مقدار ممكن من الاضرار. وما عدا ذلك، سيواجه الرئيس بوش الابن وإدارته اياماً أقل ما يمكن ان توصف به انها صعبة، خصوصاً انه ليس هناك ما يضمن عدم انتشار عدوى اللااستقرار في العراق الى دول الجوار. أوليس ما حدث في تركيا أفضل دليل على ذلك؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00