8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إنها الورقة الأخيرة لشارون!

من ثمار الهدنة غير المعلنة التي تعني عملياً وقف العمليات الانتحارية داخل ما يسمى "الخط الأخضر"، أي خط وقف النار للعام 1967، صار ارييل شارون نفسه مضطراً للبحث في كيفية إحياء عملية السلام. بالطبع يحاول شارون إنقاذ حكومته التي دخلت طريقاً مسدوداً، ويفترض ألاّ تكون هناك أي أوهام في ما يخص اهتمامه بإحياء عملية السلام التي هدفه الأساسي القضاء عليها.
لا يمكن لعملية السلام إلا أن تقضي على شارون وكل ما يمثله، ذلك أنه لا خيار آخر في المنطقة غير السلام الذي قد يتأخر سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات وحتى عشر سنوات، لكنه آت لا محالة. كل ما في الأمر أن رئيس الوزراء الاسرائيلي استطاع في السنوات الثلاث الماضية الاستفادة من حال الضياع التي يعاني منها الجانب الفلسطيني واستفاد إلى أقصى حد من عسكرة الانتفاضة ومن العمليات التي استهدفت مدنيين في القدس وتل أبيب وحيفا، خصوصاً روّاد المقاهي من الشبان، كي يعبئ المجتمع الاسرائيلي خلف سياساته العدوانية الهادفة إلى تكريس الاحتلال.
الآن لم تعد لدى شارون أوراق يلعبها غير ورقة كسب الوقت والتحايل على عملية السلام التي تظل اللعبة الوحيدة في المدينة والتي لا يمكن إلا أن تنتصر مهما طال الزمن. الدليل على ذلك أنه منذ توقيع مصر التي هي أكبر دولة عربية معاهدة سلام مع اسرائيل تبيّن أن لا خيار آخر في المنطقة غير السلام وذلك بغض النظر عن رأي المرء بالخطوة المصرية وما سبقها وما تلاها وردود الفعل العربية عليها. والأمر الذي لا بد من تذكره في كل مرة يكون فيها تناول لموضوع عملية السلام ان جامعة الدول العربية عادت إلى القاهرة بعدما مكثت في تونس عشر سنوات. عادت المؤسسة الوحيدة التي تجمع بين العرب إلى العاصمة المصرية من دون أن تجد القاهرة أن عليها قطع العلاقات مع اسرائيل. على العكس من ذلك، لا يزال علم الدولة العبرية مرفوعاً على إحدى بنايات منطقة الجيزة، فيما مقر جامعة الدول العربية مكانه على الضفة الأخرى من النيل يتابع نشاطاته بحضور المندوبين العرب، كل المندوبين العرب.
في النهاية عاد العرب إلى مصر وعادت مصر إلى العرب من دون أي تراجع من جانبها في شأن كل ما له علاقة بعملية السلام أو بالعلاقة باسرائيل. وهي علاقة لا تزال تتحكم بها القضية الفلسطينية بدليل أن السفير المصري ليس موجوداً في تل أبيب منذ فترة بسبب السياسات العدوانية التي يمارسها شارون في الضفة وغزة.
يتبيّن من كل ما شهده الشرق الأوسط من تطوّرات منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع اسرائيل في آذار من العام 1979 أنه لا يمكن الرهان على الشارع للتخلص من المعاهدة. كل ما في الأمر أنه كما في مصر كذلك في الأردن، يرفض المواطن فكرة التطبيع مع الاسرائيلي ما دامت بلاده تحتل أرضاً عربية أكان ذلك في فلسطين أو سوريا... وربما لن يكون تطبيع في يوم من الأيام نظراً إلى أن اسرائيل دولة غير طبيعية قامت على فكرة التوسع وإلغاء حقوق الآخرين.
من هذا المنطلق، تبدو النصيحة الصادقة الوحيدة التي يمكن تقديمها إلى الفلسطينيين هي نصيحة متابعة المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967 وليس القيام بعمليات انتحارية والسير في عراضات مسلحة يشاهد فيها العالم أطفالاً حزمهم ذووهم بالمتفجرات. للمرة الألف أن العالم بعد أحداث أيلول 2001 لا يمكن أن يتقبّل ذلك في أي شكل، وهذه العراضات المسلحة خصوصاً تلك التي تنقلها الفضائيات من غزة، تعتبر مع العمليات الانتحارية أكبر خدمة يمكن أن تقدّم لشارون ولسياسته الهادفة إلى كسب الوقت.
بعد ثلاث سنوات على بدء الانتفاضة الثانية، بدأ الجانب الفلسطيني يصحح المسار، وربما كان الدرس الأول الذي تعلمه هو أنه لا يمكن تكرار تجربة جنوب لبنان في الضفة الغربية. ومن يدعوه إلى ذلك بدءاً بقياديي "حزب الله" في لبنان وانتهاء بقياديي "حماس" وغيرها إنما يوجهون إليه دعوة إلى الانتحار. ان تجربة جنوب لبنان مختلفة كلياً عن تجربة الضفة الغربية وحتى غزة، والذي يفيد مع شارون كما كان يقول الراحل فيصل الحسيني، ذلك الفلسطيني الذي يعطي دروساً في الوطنية الحقيقية والصمود، هو المبارزة السياسية حول طاولة شطرنج. في مثل هذه المبارزة لا يمكن لرئيس الوزراء الاسرائيلي ولأشباهه سوى أن يخسروا، لا لشيء إلا لأن للشعب الفلسطيني قضية "واضحة"، كما أن الدولة التي يريد أن يقيم سلطته عليها ذات حدود واضحة.
وحده شارون يرفض أن يكون واضحاً، لأنه لا يستطيع أن يتقبل الفكرة القائلة ان "حرب الاستقلال" انتهت. ذلك أنه يكرر في كل مناسبة أنّ اسرائيل ما زالت في حرب. ولكن ماذا إذا تبيّن أن الأمر ليس على هذا النحو وان الحرب انتهت فعلاً؟ هل أمامه غير ورقة أخيرة يلعبها هي ورقة كسب الوقت، ولكن إلى متى؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00