من الآن، بدأت حكومة أحمد قريع (أبو علاء) تواجه صعوبات تجعل من السهل التكهن بأن مصيرها لن يكون أفضل من مصير حكومة محمود عباس (أبو مازن) وذلك على الرغم من الاختلاف القائم بين شخصيتي "أبو مازن" و"أبو علاء". الأول صعب المراس يتمسك بمواقفه حتى لو أدى ذلك إلى قطيعة بينه وبين ياسر عرفات والآخر يمتلك مرونة كبيرة تجعله لا يقطع مع ياسر عرفات من منطلق معرفته أن مثل هذه القطيعة ستقضي على مستقبله السياسي وستؤدي إلى عدم تمكنه من احتلال أي منصب في السلطة الوطنية. إنه الفارق بين شخص على استعداد للذهاب الى منزله والمكوث فيه والقول إنه عمل كل ما يستطيع عمله من أجل العودة إلى المفاوضات لكنه واجه عراقيل من جهتي أميركا واسرائيل ولم يحظ بالدعم الفلسطيني الذي كان يتمناه... ورجل لا يزال يرى أن من المبكر اقدامه على مثل هذه الخطوة وهو مستعد للأخذ والرد طوال أشهر تفادياً للوصول إلى ما وصل إليه "أبو مازن".
لذلك، تمكن "أبو علاء" في النهاية من تشكيل حكومة موسعة ليس معروفاً بوضوح دور وزير الداخلية فيها. إلا ان المعروف انها حكومة ياسر عرفات. والسؤال بعد تشكيل الحكومة هل تنوي اسرائيل وخلفها أميركا التعاطي مع "أبو عمار" الزعيم الفلسطيني الذي أظهر ان لا بديل منه وأن ليس في استطاعة اي فلسطيني آخر تجاوزه، أم أن الوضع سيراوح مكانه طويلاً ما دام أرييل شارون يدرك أن الإدارة الأميركية ليست على استعداد للإقدام على أي خطوة تؤدي إلى إيقافه عن بناء "الجدار الأمني" الذي يستهدف فرض أمر واقع جديد على الأرض يتمثل في تكريس الاحتلال.
ما قد يشجع شارون على المراهنة على عامل الوقت أن الرئيس بوش الابن تحدث في خطابه الأخير عن الشرق الأوسط، والذي خصصه للديموقراطية ونشرها في المنطقة، عن كل شيء ما عدا عن ممارسات اسرائيل، وكأن الاحتلال حلال متى كان اسرائيلياً. نعم هناك مشاكل كبيرة في العالم العربي وهناك قمع للحريات وهناك ظلم وهناك أنظمة غير شرعية وهناك ديكتاتوريات من كل الأنواع ولكن ذلك كله لا يبرر الاحتلال واستمرار الظلم الذي يطال شعباً بكامله. من واجب العرب ان يطرحوا على أنفسهم أسئلة جريئة وأن يباشروا عملية اصلاح واسعة على كل الصعد بدءاً بالبرامج التعليمية وانتهاء بالأنظمة السياسية مروراً بالقوانين الاقتصادية المعمول بها. لكن ذلك لا يبرر الاحتلال في أي شكل من الأشكال.
كان يمكن تفهم ما قاله الرئيس الأميركي في خطابه، لو اتى على ذكر اسرائيل ولو بعبارة قصيرة، لكن وضع اللوم كله على العرب وعلى الجانب الفلسطيني في مكان معين، يبدو أمراً غير مقبول، نظراً إلى أن ذلك يحوّل الخطاب مجرد رسالة دعم للاحتلال.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن "أبو علاء" مع كل مرونته لن يصل إلى نتيجة ما دامت الإدارة الأميركية غيرمستعدة لوضع بعض النقاط على بعض الحروف. ويبدو واضحاً منذ الآن ان شارون سيعمل مع من لفّ لفّه على اضعاف حكومة "أبو علاء"كي تنهار خلال فترة قصيرة فيتلهى الجانب الفلسطيني بضعة أشهر أخرى بتشكيل حكومة أخرى فيما يدخل بوش الإبن موسم الانتخابات الأميركية ولن يعود لديه الوقت للتفكير حتى بأي خطوة يمكن أن تزعج شارون.
في وقت تبدو المنطقة العربية مقبلة على تحولات كبيرة في ضوء ما يجري في العراق والعمليات الإرهابية التي تشنها التنظيمات المتطرفة على غرار ما حصل أخيراً في الرياض والاصرار الاسرائيلي على التمسك بالاحتلال، يفترض في الفلسطينيين التفكير منذ الآن بمرحلة ما بعد حكومة "أبو علاء" التي لا تقدم ولا تؤخر. يفترض فيهم أن يفكروا في كيفية العمل على جعل الوضع الداخلي متماسكاً وعلى كيفية الترويج عالمياً لفكرة حقيقية هي أن السلام ممكن وانهم ليسوا عائقاً في وجهه وان المشكلة ليست في استبدال ياسر عرفات ولا في تشكيل حكومة أخرى بل في استمرار الاحتلال لا أكثر ولا أقل. هل هي مهمة فلسطينية مستحيلة؟
الجواب يبدو أقرب إلى نعم من أي شيء آخر، أقله في المدى المنظور، في انتظار مرور العاصفة على الشرق الأوسط وظهور أن لا شيء يمكن أن يقضي على الشعب الفلسطيني نظراً إلى أن قضيته قضية شعب يريد حقوقه على جزء من ارضه التاريخية لا أكثر ولا أقل. ولذلك لن تقدم حكومة "أبو علاء" في شيء ولن تؤخر في شيء.. الذي يقدم إما حصول تحول داخل اسرائيل نفسها وإما تغير الأحوال في واشنطن، وذلك لا يمكن أن يحصل إلا بعد الانتخابات الرئاسية اي في أواخر السنة 2004 وبداية 2005!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.