8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لا يصلح للمرحلة سوى شعار الحذر

يصعب التكهّن بالنتائج التي ستؤدي اليها الأوضاع السائدة في المنطقة، لكنّ الأكيد انّ الشعار الذي لا بدّ من رفعه عربياً هو الحذر ثم الحذر ثم الحذر. ويبدو هذا الشعار الوحيد الذي يصلح للمرحلة في ظل الإحتلال الأميركي للعراق والمصاعب التي تواجه الإحتلال والتي يمكن ان تدفع بالإدارة إلى إرتكاب مغامرات تغطي بها فشلها العراقي.
يبدو الحذر ضرورياً في ضوء وجود تفكير لدى بعض العرب بانّ غرق الأميركيين في العراق مفيد، وانّ المقاومة التي يتعرضون لها، ستجعلهم ينسحبون من العراق على غرار انسحابهم من لبنان في العام 1984، أي بعد ستة أشهر من نسف مقر "المارينز" قرب مطار بيروت في تشرين الأول من العام 1983.
انّ مثل هذا التفكير التبسيطي لا مكان له في المرحلة الراهنة وذلك لأسباب عدة، في مقدّمها انّ الولايات المتحدة تستعد منذ الآن لإحتمال التعرّض لعمليات انتحارية في العراق على غرار تلك التي تعرضت لها في بيروت. إضافة إلى ذلك، انّ العراق ليس لبنان، وربما كان الأهم من ذلك كله، انّ العراق بلد نفطي يمتلك ثاني أكبر احتياط في العالم، بعد المملكة العربية السعودية. فيما لا يمتلك لبنان سوى ثروة وحيدة، هي الانسان الذي لا يهم أميركا كثيراً، اللهم الاّ اذا كان هذا الانسان من النوع الذي تطلبه الشركات الأميركية الكبرى، فتستخدمه لحسابها بدل أن يبقى في بلده يستفيد منه...
عند هذه الحدود، تنتهي المقارنة بين لبنان والعراق الذي يمكن ان يتحوّل ورشة عمل ضخمة لما لا يقلّ عن عشر سنوات، تعمل فيها الشركات العالمية على رأسها الشركات الأميركية. ولذلك، يبدو مفيداً تفادي السقوط في المقارنات ذات الطابع التبسيطي، والتفكير بطريقة جديدة وخلاقة تؤدي إلى تجاوز صعوبات المرحلة الراهنة وتعقيداتها، أكان ذلك على الصعيد العراقي أو على الصعيد الفلسطيني.
قبل كل شيء، لا بدّ من تذكّر انّ الواقع القائم في العالم في السنة 2003 مختلف عن ذلك الذي كان في مطلع الثمانينات. وقتذاك، كان هناك توازن في القوى بوجود الاتحاد السوفياتي الذي شارك بطريقة أو بأخرى في عملية التصدي للأميركيين في لبنان، من منطلق انّ الوجود الأميركي في هذا البلد يهدد مصالحه. وحصل وقتذاك انّ الاتحاد السوفياتي انتقل من مرحلة المتفرّج على ما يدور في الشرق الأوسط، إلى مرحلة التدخل المباشر للحدّ من الاندفاع الأميركي. فبعد اسابيع من الاجتياح الاسرائيلي للبنان الذي بدأ في حزيران 1982، توفي الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف الذي تميّزت السنوات الأخيرة من عهده بحال من الجمود عائدة خصوصاً الى مرض الرجل. وخلفت بريجنيف، شخصية ذات فكر متّقد هي يوري اندروبوف. قرر اندروبوف التصدي للولايات المتحدة والحدّ من اندفاعها. ولذلك، شارك الاتحاد السوفياتي في العام 1983 بفاعلية، وان بطريقة غير مباشرة، في طرد الأميركيين من لبنان. وكان قراره القاضي بإعادة تسليح سوريا وتعويض الخسائر التي لحقت بسلاحها الجوي وبمدرعاتها وصواريخها خلال التصدي للعدوان الاسرائيلي على لبنان، قراراً في غاية الشجاعة، ساهم إلى حدّ كبير في إعادة التوازن إلى المنطقة، بعد الخلل الذي أدى اليه الاجتياح الاسرائيلي للبنان.
على الصعيد الاقليمي ايضاً، يبدو الوضع مختلفاً كلياً عن ذلك الذي كان قائماً في العام 1983، واذا كانت دول عربية عدة ساهمت وقتذاك في الحدّ من الاندفاع الأميركي، وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية، فانّ هذه الدول تجد نفسها حالياً غير قادرة على التأثير في القرار الأميركي، بوجود إدارة تعتبر نفسها في حال حرب بعد احداث 11 أيلول 2001، وهي توجه الإتهامات إلى معظم دول الشرق الأوسط، وتطلب منها التزام قواعد معينة في التعاطي معها...
ليس مطلوباً الاستسلام للسياسة الأميركية والخضوع لها. ولكن في مقابل ذلك، لا مفرّ من تفادي السقوط في فخ شبيه بالذي سقط فيه العرب في العام 1967، وهو فخ ما زالوا يعانون نتائجه حتى الآن. وتفادي السقوط في الفخ يعني بكل بساطة الاستفادة من العرب الذين لديهم اتصال مباشر بالإدارة الأميركية لمعرفة ما الذي تريده فعلاً والإطلاع على نياتها. كذلك من مصلحة كل دولة عربية، المحافظة على ما حققته من مكاسب، مهما كانت صغيرة أو كبيرة. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، ليس من مصلحة لبنان حالياً القيام بأي عمل يؤدي إلى توتير الأوضاع على جانبي "الخط الأزرق"، ذلك أنّ التوتر، سيخدم اسرائيل الساعية إلى الهروب من أزماتها الداخلية، في اتجاه توسيع نطاق النزاع القائم بينها وبين الشعب الفلسطيني، وفي اساسه إصرارها على تكريس الإحتلال... بتغطية من الإدارة الأميركية.
إنها مرحلة اختلّت فيها التوازنات عالمياً واقليمياً، فلماذا يدفع العرب ثمن سياسة أميركية طائشة في العراق بدل العمل على عدم الاصطدام بهذه السياسة وترك عامل الوقت يفعل فعله؟
انّ تفادي الاصطدام بأميركا مصلحة عربية، ومن المصلحة أيضاً السعي إلى التفاهم معها على الرغم من الشروط الصعبة التي تضعها. فذلك يظل أفضل بكثير من أي رهان على أنّ الأميركيين سيخرجون من العراق بعد أول عملية انتحارية يتعرضون لها. على العكس من ذلك، سيزدادون شراسة ورغبة في تصدير أزمتهم إلى الدول المحيطة بالعراق، على غرار ما تفعله اسرائيل ـ ارييل شارون، التي تغطي عدم قدرتها على الخروج بمشروع سياسي ينهي النزاع مع الشعب الفلسطيني، بعملية هروب إلى الأمام، تتمثّل في توسيع إطار النزاع والإعتداء على الآخرين.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00