8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل يبقى العراق بلداً وحيداً؟

بعد ستة أشهر على سقوط بغداد في يد القوات الأميركية، ليس واضحاً ما سيؤول اليه العراق، هل يظل بلداً موحداً أم لا؟ انه السؤال الكبير الذي لا بد من طرحه في ضوء التطوّرات التي حصلت منذ بدء الحملة العسكرية الأميركية ـ البريطانية التي قادت الى سقوط نظام صدام حسين.
ما هو لافت أن اشارات ايجابية وسلبية تخرج في الوقت نفسه من العراق، لكن المقلق ان السلبيات تطغى على الروح المذهبية والطائفية والعرقية من جهة اخرى وفي ظل حال من الغموض تحيط بكل الجرائم الكبيرة والصغيرة التي وقعت منذ وطئت قدم الجنود الأميركيين أرضَ العراق.
حتى الآن لم يجب أحد عن الأسئلة المتعلقة بهذه الجرائم ومنها: من قتل السيد عبد المجيد الخوئي في النجف ولماذا لم يوجد من يتابع التحقيق في هذه الجريمة؟ من اغتال آية الله محمد باقر الحكيم رئيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في النجف ايضاً؟ من فجّر مقر الأمم المتحدة وقتل ممثل الأمين العام للمنظمة الدولية سيرجيو فيرا دي ميللو ؟ من فجّر السفارة الأردنية؟ من قتل عضو مجلس الحكم الانتقالي الدكتورة عقيلة الهاشمي التي كانت تمثل وجهاً حضارياً للعراق في الداخل والخارج في آن؟ من قتل الملحق العسكري الاسباني قبل أربعة أيام؟
إنه غيْض من فيْض، ذلك ان المواطنين العاديين الذين يقتلون كل يوم لا يسمع أحد بهم أو بأسمائهم وعلى سبيل المثال أولئك الذين قضَوْا الخميس الماضي في انفجار استهدف مركزاً للشرطة في بغداد.
لا يمكن الترحم على نظام صدام حسين الذي يظل نظام المقابر الجَماعية، ولكن لا يمكن في الوقت نفسه تجاهل ان الخيط الرفيع الذي يجمع بين كل الجرائم المرتكبة هو خلق شعور بالقلق وحال من عدم الاستقرار في كل أنحاء العراق. وهذا يجعل كل عراقي يبحث عن ملاذٍ لدى طائفته او عشيرته او منطقته. ويزداد هذا الشعور لدى السّنة العرب الذين يعتبرون انفسهم غير ممثلين في الحكم الانتقالي، او في الحكومة بما يلائم حجمهم الحقيقي.
إن هذا الشعور الذي يخشى العراقيون من ان تكون تنميته تعبيراً عن سياسة أميركية هدفها النهائي تقسيم العراق دويلات ثلاث على الأقل بدأ يترسخ في ذهن كثيرين. هؤلاء بدأوا يتهمون الأميركيين بالرغبة في تقسيم العراق ويتساءلون لماذا هذا التساهل مع الذين يمارسون عمليات الخطف والسرقة والنهب والاغتيال ليلا؟ ولماذا غضّ الطرف عن التدخل الإيراني؟، وهل يعني ذلك أن ثمة قنوات مفتوحة بين طهران وواشنطن، وان صفقة ستعقد في النهاية بين الجانبين على حساب العراق والعراقيين؟
ولكن أكثر ما يقلق العراقيين هذه الأيام القرار المتخذ بمباركة أميركية والقاضي بإرسال نحو عشرة آلاف جندي تركي الى العراق. اين سيرابط هؤلاء وهل صحيح انهم سيبقون سنة وانهم ليسوا "جيش احتلال" على حد تعبير المسؤولين في انقرة وان وجودهم سيضمن الأمن وعدم حصول تعديات في مناطق معينة خصوصاً في المنطقة السنّية الواقعة شمال ـ غربي بغداد؟
انها ظواهر تثير تساؤلات كثيرة في ظل الإصرار الأميركي على الاستعانة بالقوات التركية وهو قرار عارضه المجلس الانتقالي بالإجماع وما لبث ان تراجع عن موقفه لاعتبارات أميركية وذلك على الرغم من ان كل عضو في المجلس يتذكر ان الجيش التركي اجتاح قبرص عام 1974 ولا يزال يسيطر على جزء من الجزيرة منذ ذلك التاريخ!
في مقابل كل هذه السلبيات التي يرافقها غياب عربي عن العراق باستثناء مساعدة بعض الفئات غير الرسمية للعناصر الاسلامية المتطرّفة، وذلك من منطلق مذهبي ليس إلا، هناك بعض الايجابيات. على رأس الايجابيات ان أكثرية العراقيين ما زالت تعتقد انه لا يمكن ان يكون هناك وضع أسوأ من ذلك الذي كان سائداً في ظل النظام الذي أسقطه الأميركيون. كذلك من الايجابيات استعادة العراقيين حريتهم، وبات في البلد ما يزيد على مئة صحيفة، وعاد التلامذة الى المدارس في أجواء شبه طبيعية لا يعكرها سوى المخاوف من خطف التلميذات، وستكون هناك هواتف نقالة في كل أنحاء العراق قريباً، وتنتشر مقاهي "الانترنت" في بغداد ولم يعد الشاب او الفتاة يواجهان أي مشكلة في الاتصال بالموقع الذي يريده على العكس مما كانت الحال في عهد صدام حسين كان الممنوع هو القاعدة والمسموح هو الاستثناء.
يصعب عدم الاعتراف بأن بعض الأمور تحسنت في العراق بعد سقوط النظام السابق، ولكن يصعب في الوقت نفسه تجاهل المخاوف من تقسيم العراق، وهي مخاوف مبررة في ظل السياسة الأميركية المتبعة التي يبدو ان هدفها الوحيد تفادي سقوط الرئيس بوش الابن في الانتخابات المقبلة، فلا يتمكن من تجديد ولايته بسبب العراق!
هل يمكن الحديث عن فقدان الأمل في العراق، كبلد عربي عريق موحد كان من المؤسسين لجامعة الدول العربية؟ من السابق لأوانه نعْيُ العراق الموحد، علماً ان ظاهرة الميليشيات المسلحة في الجنوب وبداية ظهور مقاومة منظمة في المثلث السني واحتمال دخول القوات التركية الى هذا المثلث في وقت يعيش الأكراد في ظل وضع خاص بهم، لا تبشر بالخير إلا إذا كانت لدى الأميركيين أوراق لم يكشفوها بعد، خصوصاً على صعيد الرهان على حصول تغيير لمصلحتهم داخل إيران.
وحده الوقت يبدو كفيلاً بالإجابة عن السؤال المتعلق بوحدة العراق والخطر عليها. ولكن يبقى في كل الأحوال ان قرار حل الجيش العراقي المتخذ باكراً لم يكن اعتباطياً، كذلك قرار اجتثاث حزب البعث من جذوره... كم من الجرائم في حق العراق والعراقيين ارتكبت بحجة تنفيذ هذين القرارين؟ جرائم مرتبطة بالفلتان الأمني الذي خلفه حل الجيش الذي هو رمز لوحدة العراق، وجرائم ذات طابع انتقامي ومذهبي وعرقي بحجة التخلص من البعث!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00