8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

من شارون هيغ إلى شارون رامسفيلد!

أقل ما يمكن قوله عن العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا أنه تصعيد نوعي لجأ إليه ارييل شارون لتغطية فشله الداخلي على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، ولكن يبقى أخطر من التصعيد النوعي الذي لجأت إليه إسرائيل أن العدوان لقي تغطية أميركية وكأنه رسالة مشتركة إلى دمشق فحواها أن عليها تنفيذ المطالب الأميركية المقدمة إليها. بكلام أوضح أن واشنطن أرادت إبلاغ دمشق أن الضغط الذي تمارسه عليها ليس مجرد ضغط إعلامي، لكنه ضغط جدّي له ترجمة على الأرض بوجود رئيس للوزراء في إسرائيل لديه حقد تاريخي على سوريا.
يشبه الوضع الراهن في الشرق الأوسط ذلك الذي كان سائداً عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. آنذاك كان شارون وزيراً للدفاع وكان لديه مشروعه الخاص بلبنان. وكان وزير الخارجية في الولايات المتحدة الجنرال الكسندر هيغ، وقد لعب الثنائي شارون هيغ دوراً أساسياً في مجال الإعداد للحرب على لبنان التي كانت تستهدف في الواقع تغيير خريطة الشرق الأوسط سياسياً عبر إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ومناطق أخرى والقوات السورية من الأراضي اللبنانية. وفشل المشروع الإسرائيلي الذي سعى شارون إلى تنفيذه فشلاً ذريعاً بسبب المقاومة السورية التي واجهها، ولم يستمر هيغ في وزارة الخارجية طويلاً في حين اضطر شارون الذي كان عليه الانتظار ما يزيد على عشرين سنة للعودة مجدداً إلى الحياة السياسية للاعتكاف في مزرعته.
هل التاريخ يعيد نفسه بعد واحد وعشرين عاماً وبضعة أشهر على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، مع فارق أن القوات الأميركية موجودة هذه المرة في العراق وليس في لبنان وأن الذي في الواجهة أميركياً ليس وزير الخارجية بل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي كان آخر مبعوث للرئيس ريغان إلى لبنان أواخر العام 1983 وأوائل العام 1984، وقد أشرف رامسفيلد على عملية انسحاب القوات الأميركية من لبنان اثر الضربات التي تلقتها والتي بلغت ذروتها بتفجير مقر المارينز قرب المطار في تشرين الأول من العام 1983.
من بين كل الشخصيات التي لعبت دوراً في تلك المرحلة في المواجهة على صعيد الإعداد للاجتياح الإسرائيلي ولمرحلة ما بعد الاجتياح، لم يبقَ سوى شارون ورامسفيلد. وفي المقابل لا تزال سوريا هي سوريا مع فارق أن الاتحاد السوفياتي لم يعد موجوداً ولم تعد هناك في العالم قوة قادرة على قول لا للولايات المتحدة كما حصل في 1982 و1983 حين استطاع الزعيم السوفياتي الجديد آنذاك يوري اندروبوف أن يوفر لسوريا عمقاً استراتيجياً مكّنها من مواجهة الضغوط التي تعرضت لها بفعالية وقوة.
انتصرت سوريا في تلك المرحلة بعدما لعبت أوراقها بذكاء شديد، وكان لبنان ساحة المعركة في ذلك الحين، وهي تمكنت من إلحاق هزيمة مزدوجة بالإسرائيليين والأميركيين انطلاقاً من لبنان، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع ارييل شارون الساعي إلى الانتقام إلى استهداف العمق السوري وكأنه يريد القول إنه لن يدع لبنان يلهيه عن مهمته الأساسية وهي الانتقام من سوريا، وذلك في وقت تعتبر مجموعة لا بأس بها من المسؤولين الأميركيين بينهم رامسفيلد، أن كل مصائب أميركا تعود إلى الضعف الذي أظهرته في لبنان في الأعوام 1982 و1983 و1984 حين اضطرت إلى الانسحاب تحت ضغط الضربات التي وجهت إليها.
تدعو هذه المعطيات إلى التعاطي بحذر شديد مع العدوان الإسرائيلي الأخير الذي يكشف أن هناك أحقاداً دفينة لدى شارون وغير شارون على سوريا، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي المدعوم أميركياً لا يحلم سوى بالانتقام بدليل ما فعله بياسر عرفات الذي يعيش منذ عامين تقريباً في الاقامة الجبرية.
إن سياسة الانتقام التي مارسها شارون واضحة وزادت وضوحاً بعد العدوان الأخير على سوريا، لكن الأمر الذي لا بد من التنبه إليه يتمثل في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ما كان قادراً على إيجاد غطاء عالمي لجرائمه لولا العمليات الانتحارية داخل "الخط الأخضر" وهي عمليات ليست مقبولة في عالم ما بعد 11 أيلول 2001 وهو عالم ظالم لم يعد فيه المسؤول الأميركي والأوروبي قادراً على استيعاب أن في أساس العمليات الانتحارية التي ينفذها شبان فلسطينيون مجرم اسمه ارييل شارون لم يترك لهؤلاء الشبان خياراً آخر غير تفجير أنفسهم بإسرائيليين مفضلين الموت على استمرار الاحتلال.. والذلّ اليومي الذي يتعرضون له!
لا شك أن سوريا لا تزال تمتلك أوراقاً قوية في المواجهة مع أميركا وإسرائيل وفي مقدم هذه الأوراق تمسكها بسلاح الشرعية الدولية، لكن لا شيء يمنع صدور موقف عربي جماعي، في غياب القدرة على استصدار قرار من مجلس الأمن يدين إسرائيل، يشدد على رفض العمليات الانتحارية لأنها صارت نقطة ضعف لكل من يقف في وجه شارون ويتصدى له أكان فلسطينياً أو عربياً. لعل مثل هذا الموقف يقطع الطريق على التصعيد الإسرائيلي الذي يحظى بمباركة أميركية. وإذا كانت هناك حاجة لإظهار كم ان الجانب العربي متضرر من العمليات الانتحارية، تكفي العودة إلى قمة بيروت التي صدرت عنها مبادرة سلام عربية متكاملة. في اليوم الذي كان مقرراً أن تختتم فيه القمة التي انعقدت في غياب ياسر عرفات الذي لم يسمح له شارون بالخروج من رام الله، وقعت عملية انتحارية في نتانيا قتل فيها مدنيون إسرائيليون. ماذا كانت النتيجة؟ نسي العالم مبادرة السلام العربية وصبّ كل اهتمامه على ما حصل في نتانيا. أليس ذلك سبباً كافياً للاستفادة من تجارب الماضي وتفادي نقاط الضعف التي يستفيد منها شارون الحالم بالانتقام من سوريا؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00