"بلغ العداء لأميركا مستويات مريعة". هذا ما توصلت إليه لجنة شكلتها الادارة الأميركية برئاسة ادوارد دجرجيان مساعد وزير الخارجية الأميركية سابقاً لشؤون الشرق الأوسط، كلفت وضع تقرير عن صورة الولايات المتحدة لدى العرب والمسلمين.
يضيف تقرير اللجنة أن "المطلوب ليس مجرد عملية اعادة تكيف (مع العرب والمسلمين) بل تغيير أساسي واستراتيجي".
إلى ذلك، تحدث التقرير عن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع مشيراً خصوصاً إلى أن حرب العراق والنزاع الشرق أوسطي زادا من غضب العرب والمسلمين على السياسات الأميركية في وقت يجهل الناس في مختلف أنحاء العالم العربي والاسلامي ما هي هذه السياسات أو انهم ضللوا في شأنها.
من الأمور المهمة التي يشير اليها التقرير تراجع الحماسة للترويج للسياسات الأميركية في ضوء انتهاء الحرب الباردة التي رافقها خفض الموازنات التي كانت مكرسة للدعاية لهذه السياسات.
وهذا قد يكون صحيحاً كما قد لا يكون. فمن الناحية النظرية، يمكن القول إن أميركا لم تعد في حاجة إلى كل هذه الموازنات بعد هزيمة عدوها الأول المتمثل في الاتحاد السوفياتي مع كل ما كان يمثله على صعيد الأيديولوجيا والقوة العسكرية والسعي إلى التمدد والاحتفاظ بمواقع نفوذ في كل أنحاء العالم.
لكن الأمر الذي لا يمكن تجاهله أن تفكك الاتحاد السوفياتي أدى إلى تحديات من نوع جديد في عالم لم يعد فيه أي نوع من الضوابط، عالم لم تعد تعرف الولايات المتحدة كيف تتعاطى معه إلا على طريقة اعطاء الأوامر والتعليمات المطلوب تنفيذها من دون اعتراض!
يبدو التقرير محقاً عندما يتحدث عن أن التغيير المطلوب يجب أن يكون "أساسياً واستراتيجياً" مركزاً خصوصاً على الوضعين في العراق وفلسطين. نعم، لقد خاضت الولايات المتحدة حرباً لإسقاط نظام صدام حسين خدمة للشعب العراقي، ولكن ما النفع من خوض مثل هذه الحرب من دون أن تكون اعدت نفسها لمرحلة ما بعد سقوط النظام الذي كان العراقيون يتمنون التخلص منه قبل أن يدرك الرئيس بوش الإبن أين يقع العراق على خريطة المنطقة والعالم والفارق بين العراق وايران!
ان مشكلة الادارة الأميركية ليست مع العرب والمسلمين لكنها مع عدم قدرتها على قول الحقائق كما هي شارحة الأسباب التي دفعتها إلى اسقاط النظام واحتلال العراق بدل التذرع بحجج واهية مثل أسلحة الدمار الشامل أو ارتباط نظام صدام بـ"القاعدة" وما إلى ذلك عن علاقة العراق بالارهاب الدولي. لتقل الولايات المتحدة منذ البداية إن لديها مصالح حيوية في العراق وانها لا تستطيع التفاهم مع النظام الذي كان قائماً في ذلك البلد في شأن هذه المصالح نظراَ إلى انعدام الثقة به. لتقل ذلك ولتقل انها تريد أن يحكم العراق افضل العراقيين وانها لا تريد تحويل البلد قاعدة معادية للمحيط العربي وان المشكلة محصورة بالنظام الذي كان قائماً. هل كثير على العرب والمسلمين أن يطلبوا ذلك؟
ولنفترض أن أميركا غير قادرة على تحديد ما تريده من العراق لأنها لم ترسم سياسة لما بعد الحرب، ماذا عن فلسطين؟ وكيف يمكن لأي عربي أو مسلم أن يقف متفرجاً أمام سياسة ترفض ادانة الاحتلال، وتعتبر ارييل شارون بطلاً يريد السلام وياسر عرفات إرهابياً، على الرغم من أن الرجل كان أول المتبرعين بدمه لضحايا أحداث 11 أيلول 2001؟
بصراحة ، لا يستطيع أي عربي أو مسلم أن يقبل بالموقف الأميركي من النزاع الشرق الأوسطي، أياً تكن الأخطاء التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية التي لم تدرك منذ البداية أنه كان عليها وضع حد للعمليات الانتحارية لأن العالم لا يمكنه تقبل هذه العمليات ولا هضمها ولا التغاضي عنها وهي تحول المجرم ضحية والضحية التي اسمها الشعب الفلسطيني مجرماً.
واذا كانت الادارة الأميركية عاجزة عن فهم ما يشعر به كل عربي أو مسلم، بسبب العراق، ما عليها سوى القاء نظرة على التقرير الذي وضعه السويسري جان زيغلر المكلف شؤون التغذية في الأمم المتحدة. قال زيغلر في تقرير يقع في خمس وعشرين صفحة هاجمته اسرائيل بعنف: "ذهبت إلى الأراضي (الفلسطينية) المحتلة، وشاهدت كارثة انسانية مرعبة يلفها الصمت تزداد خطورتها يومياً بسبب الاحتلال". لم يكتف بذلك، بل دان "الجدار الأمني"، الذي تبنيه حكومة شارون ووصفه بجدار "العنصرية" مشيراً إلى "الذل" الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني وإلى استراتيجية اسرائيلية تقضي بجعل الفلسطينيين يعيشون في جزر.
إن زيغلر ليس عربياً أو مسلماً، إنه مجرد انسان أراد أن يعبر عن شعوره ازاء ما شاهده في فلسطين، أليس في استطاعة الإدارة الأميركية أن ترى ولو نسبة 10 في المئة مما رآه، كي يبدأ العرب والمسلمون التخفيف من عدائهم لسياساتها؟
ليس مطلوباً من أميركا اجتراح المعجزات، والكل يعرف أن الوضع في العراق في غاية التعقيد وأن من الصعب على ادارة بوش الإبن تحقيق نتائج سريعة على الأرض، خصوصاً أنها مصرة على التعاطي مع الذين قررت التعاطي معهم في العراق. وذلك ليس معناه أن جميع اعضاء مجلس الحكم الانتقالي سيئون، ولكن عدداً لا بأس به من هؤلاء لا يمثل أحداً، باستثناء نفسه وعائلته ومصالحه التجارية. أما في فلسطين، فان الوضع مختلف جذرياً. صار عمر الصراع يزيد على نصف قرن، هذا اذا تجاهلنا جذوره العائدة إلى القرن التاسع عشر. والسياسة الأميركية جعلت كل عربي ومسلم يشعر أنه فلسطيني وأنه ياسر عرفات، بغض النظر عن الاعتراضات على الرجل والمآخذ على مواقف اتخذها في الماضي.
كلمة حق في فلسطين، ستكون كافية وستغني عن ألف تقرير وألف لجنة من أجل تحسين صورة أميركا لدى العرب والمسلمين. كلمة حق تقول إن الأحتلال اسمه الاحتلال ولا شيء آخر غير الاحتلال... وإن الاحتلال إلى زوال.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.