دخلت الانتفاضة الفلسطينية سنتها الرابعة. ولم تجد اسرائيل رداً على قضية سياسية ووطنية أولاً، تتلخص بأن شعباَ واقعاً تحت الاحتلال يريد استعادة حقوقه المشروعة، سوى العمل على تكريس الاحتلال عبر "الجدار الأمني". لعل الدرس الأول الذي يمكن الخروج به بعد ثلاث سنوات على الانتفاضة أن لا حل عسكرياً تستطيع اسرائيل فرضه، وأن الدولة اليهودية تبدو قاصرة عن التوصل إلى تسوية ذات طابع سياسي. لذلك أشار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى ضرورة اتخاذ خطوات "جريئة" للخروج من الوضع الذي آل اليه الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.
ما لم يقله أنان أن اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وهي اللجنة التي صاغت "خارطة الطريق" لا يمكن أن تكتفي بترديد مواقف سابقة إن في شأن التمسك بـ"الخارطة" أو دعوة الطرفين المعنيين إلى التعاون معها مع توجيه لوم مباشر إلى الجانب الفلسطيني والسعي في الوقت نفسه إلى تفهم ما تقوم به اسرائيل. والواضح أن اللجنة تتناسى أن في أساس العمليات الفلسطينية الإصرار الاسرائيلي على ممارسة ارهاب الدولة بكل أنواعه وان الانتفاضة انما بدأت بزيارة قام بها ارييل شارون لحرم المسجد الأقصى متحدياً مشاعر الفلسطينيين الذين كانوا في حاجة وقتذاك، أي في أيلول من العام 2000، إلى قيادة سياسية واعية للمتغيرات الدولية لا تصدق الكلام القائل إن الاسرائيليين سينسحبون من كل شبر من الضفة الغربية وغزة بمجرد أن يسقط لهم مئة قتيل وذلك على غرار ما فعلوا في جنوب لبنان تحت ضربات "حزب الله". لكن الذي حصل أن الفلسطينيين ما زالوا يدفعون حتى الآن ثمن تصديق بعضهم لهذا الكلام غير الواقعي الذي لا علاقة له بطبيعة الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي الذي يختلف جذرياً عن الاحتلال الاسرائيلي الذي كان قائماً لجنوب لبنان. والدليل على ذلك انه منذ زيارة شارون للحرم الأقصى قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، سقط 822 قتيلاً اسرائيلياً. وبدل أن يحصل انسحاب من الضفة الغربية وغزة، اعادت اسرائيل احتلال المناطق التي انسحبت منها في الضفة والقطاع بموجب اتفاق أوسلو.
سهل الجانب الفلسطيني على شارون مهمته بقبوله الدخول في لعبته، لعبة العنف، وكانت آخر الأخطاء الفلسطينية اسقاط حكومة محمود عباس (ابو مازن) الذي سجل نقطة مهمة في المواجهة مع شارون تختصر بدخوله البيت الأبيض بعد غياب فلسطيني طويل عنه. والأمل الآن مع المحاولات الجارية لتشكيل حكومة جديدة الا تتكرر أخطاء الماضي وأن تكون السنة الرابعة للانتفاضة سنة أمل في انتهاج سياسة فلسطينية من نوع مختلف مع حكومة اسرائيلية وضعت نصب عينيها قطف ثمار العنف الديبلوماسية عبر اقامة "الجدار الأمني".
لا يزال الشعب الفلسطيني يقاوم، ولا يزال يعتبر ياسر عرفات رمزاً لنضاله، لكن ما فعله شارون في السنوات الثلاث الماضية حرم هذا الشعب من امتلاك مشروع سياسي يتصدى بواسطته للعنف الاسرائيلي في الساحة الدولية. ولذلك تبدو الحاجة اكثر من أي وقت مضى إلى تدخل دولي يعيد الاعتبار للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة أولاً. مثل هذا الحل يمكن أن يزيل "الجدار الأمني" الذي تبنيه اسرائيل والذي يؤسس لصراعات ونزاعات يمكن أن تستمر مئات السنين خصوصاً ان هناك مجتمعاً اسرائيلياَ مريضاً يدعم ارييل شارون.
إنه مجتمع تعترف نسبة 67 في المئة منه حسب استطلاع للرأي العام نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" بأن الانتفاضة ستستمر، وترى نسبة 73 في المئة ان الدولة "لا توفر مستقبلاَ مضموناً للجيل الصاعد". ما هذا المجتمع الذي لا يرى مستقبلاً للجيل الصاعد فيه ولا يسأل ارييل شارون عن المشروع السياسي الذي تنوي حكومته تنفيذه باستثناء سرقة مزيد من الأراضي الفلسطينية!؟
في المقابل يجب الاعتراف بأنه لم تعد لدى الفلسطينيين مؤسسات قادرة على كبح العنف المتمثل في العمليات الانتحارية والخروج برد عملي ذي طابع سياسي على الارهاب الإسرائيلي.
يجسد " الجدار االأمني" ذروة المأزق الذي بلغه الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وذروة الافلاس الاسرائيلي. واذا كانت اللجنة الرباعية تريد أن تظهر جدية حقيقية على صعيد التعاطي مع "خارطة الطريق" سيتوجب عليها أن تعلن أولاً ان الجدار هزيمة للخارطة وأن الحل يفرضُ فرضاً عبر قوات دولية تنشر بين الجانبين وتشرف مع فريق سياسي على الفصل بينهما.
ان الأمم المتحدة حاضرة في كل الصراعات الدولية تقريباً، فما الذي يمنع وجودها في فلسطين اقله من أجل تنفيذ القرارات الصادرة عنها او تلك التي توصل إليها الجانبان المتصارعان في وقت كان التفاوض لا يزال ممكناً بينهما؟ من دون هذا التدخل سنحتفل السنة المقبلة في مثل هذه الأيام بدخول الانتفاضة سنتها الخامسة وسيوجد من يحتفل بعمليات تخترق "الجدار الأمني" وسنشهد مثل هذا النوع من الاحتفالات لسنوات طويلة... إلى أن يوجد من يقول للاسرائيلين إن القوة لا يمكن أن تهزم الشعب الفلسطيني وأن لا حل عسكرياً للنزاع بغض النظر عن الأخطاء التي يمكن أن يرتبكها الشعب الفلسطيني. وإلى إشعار آخر لا يوجد من يستطيع أن يقول ذلك سوى الأمم المتحدة شرط أن تسمح لها أميركا بذلك. إلى كم قتيل آخر تحتاج الولايات المتحدة لتعترف بهذا الواقع وبأن اسرائيل دولة قاصرة؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.