انتقل الأمن في كابول ومحيطها إلى حلف شمال الأطلسي إيذاناً بدور جديد للحلف الذي عمره أربعة وخمسون عاماً. ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة أن العالم تغير جذرياً وأن معالم النظام الدولي الجديد الذي هو قيد الانشاء بدأت تتضح أقله في المجال العسكري وفي مجال توزيع المهمات بين الدول المنتصرة في الحرب الباردة.
قبل اسبوعين تقريباً، تحول حلف شمال الاطلسي الذي كانت مهمته محصورة في الدفاع عن أوروبا الغربية إبان الحرب الباردة إلى رأس حربة للسياسة الغربية عموماً والأميركية تحديداً. أميركا تضرب وتُسقط انظمة كما حصل في أفغانستان، وحلف شمال الاطلسي يتولى في مرحلة لاحقة المحافظة على ما تحقق إلى أن تستتب الأمور سياسياً في هذا البلد أو ذاك. ولذلك سيكون الحلف على استعداد لابقاء قوات تابعة له في أفغانستان أو غير افغانستان لفترة طويلة. وهو بذلك يوفر على الادارة الأميركية متاعب يمكن أن تنجم عن وجود عسكري في هذا البلد أو ذاك. وهذه المتاعب تذكر بتلك التي نجمت عن حرب فيتنام وهي تؤرق كل رئيس أميركي يفكر في إرسال قوات إلى الخارج.
لعبت أحداث 11 أيلول 2001 دوراً أساسياً في بلورة الدور الجديد لحلف شمال الاطلسي. ولولا هذه الأحداث لما وجدت الولايات المتحدة نفسها قادرة على التدخل عسكرياً في أفغانستان "اسقاط نظام طالبان" الذي وفر مأوى آمناً لتنظيم "القاعدة". ولولا أحداث 11 أيلول لما تمكنت من شن الحرب التي اسقطت نظام صدام حسين في العراق.
الآن وقد صار الأميركيون في أفغانستان والعراق، بات ضرورياَ البحث عن مخرج يؤدي في غضون عام أو عامين إلى توفير غطاء مناسب يحوّل الوجود العسكري الأميركي إلى وجود اطلسي.
يبدو ان ما أقدمت عليه أميركا خطوة ذكية، ذلك أن الخيار كان بين الابقاء على حلف الاطلسي وتوسيعه من جهة وحله من جهة أخرى. وبإبقائها على الحلف وتوسيعه، تكون واشنطن بدأت تهيئ الحلف لدور على الصعيد العالمي يتجاوز اوروبا. اليوم أفغانستان وغداً العراق اذا أمكن. انها لعبة البدائل التي تستهدف ايجاد مخارج من أي مأزق يمكن أن يواجه رئيساً أميركياً في المستقبل. ومن بين المآزق المحتملة المستنقع العراقي الذي لا تدري الولايات المتحدة كيف ستخرج منه إذا استمرت حال التخبط الراهنة من دون مساعدة الآخرين. والحلف الاطلسي سيلعب في هذه الحال دوراً مهماً، بل الدور الأساسي في تمكين الرئيس بوش الابن من التغلب على الصعوبات التي يمكن أن تعيق تجديد ولايته.
لا شك في أن هذا المنطق يمكن أن يساعد أميركا في العراق، ولكن تبقى الحاجة إلى منطق آخر يتجاوز الأمن إلى السياسة. انه منطق يقوم على جعل العراقيين يشعرون بأن ثمة فوائد من التخلص من نظام صدام حسين، بدل الترحم على هذا النظام كما يحصل حالياً.
من حق أميركا أن تبحث منذ الآن عن بديل لوجودها العسكري في العراق، وأن تفكر بحلف شمال الاطلسي بصفة كونه أحد البدائل. ولكن من حق العرب ايضاً أن يقدموا لإدارة بوش الأبن نصيحة من نوع آخر فحواها أن ما يضمن المصالح الأميركية في المنطقة هو الاستقرار ولا شيء غير الاستقرار. وهذا الاستقرار لا يؤمنه حلف شمال الاطلسي ولا أي قوة أخرى، بل يكون بالتفكير في انهاء الاحتلال أولاً والعمل على تحول العراق إلى بلد ديموقراطي في ظل الأمم المتحدة وليس في ظل هذا الحلف العسكري أو ذاك.
إنه أمر مفهوم تماماً أن أميركا تعتبر نفسها في حال حرب بعد أحداث 11 أيلول 2001 وان هذه الحرب لن تنتهي من وجهة نظرها إلا بالقضاء على ما تسميه "الارهاب". ولا شك في أن اميركا أعدت نفسها لحرب طويلة، وسيكون حلف شمال الاطلسي من بين أدوات تلك الحرب نظراً إلى أن من بين المهمات الجديدة للحلف المشاركة في المعارك العسكرية الأميركية. ولكن مرة أخرى لا بديل من السياسة التي تساعد في إعادة بناء الأمم والدول المنهارة مثل افغانستان والعراق على أسس سليمة لا علاقة بالقيم التي تنادي بها أميركا، ويا ليتها تطبقها في كل مكان. من هذا المنطق يمكن الترحيب بالدور الجديد لحلف شمال الاطلسي اذا كان وسيلة لإدخال بعض المنطق على السياسة الأميركية بدل أن يكون مجرد عصا غليظة أخرى لهذه السياسة. ويبدو أن الوقت وحده كفيل بكشف هل اعادة احياء دور حلف شمال الاطلسي في اطار جديد سيساعد في تكوين سياسة أميركية أقل ظلماً من تلك المتبعة حالياً اكان ذلك في أفغانستان أو العراق.. أو فلسطين؟ ربما ساعد في ذلك أن يكون وجود حلف شمال الأطلسي في بلد معين مجرد جسر لتوفير دور أكبر للأمم المتحدة في هذا البلد، على طريق اعادة بنائه وليس تكريس الاحتلال!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.