8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الآراء الواردة في هذه المقالات تعبّر عن وجهة نظر أصحابها فقط

ليس سراً ان الادارة الأميركية تمارس ضغوطاً على ايران، وان ايران ترد على هذه الضغوط بطريقتها الخاصة مستفيدة من خبرة طويلة في هذا المجال، بدأت مع انتصار الثورة في عهد الرئيس جيمي كارتر واستمرت في عهد ريغان الذي استمر ثماني سنوات، وفي عهد بوش الأب وفي عهد بيل كلينتون. والأخير توصل الى هدنة غير معلنة مع الايرانيين حافظ خلالها كل طرف على مواقعه ومصالحه. واذا كان بوش الأب حيّد طهران مضطراً نظراً الى حاجته اليها في ضوء ارتكاب صدام حسين مغامرته المجنونة التي تمثلت في اجتياح الكويت، فان كلينتون عرف كيف يتعايش مع النظام الايراني على اساس لا ضرر ولا ضرار.
هذه المرة تدور المواجهة الأميركية ـ الايرانية في ظروف مختلفة اسبابها كثيرة بدءاً بأن ادارة بوش الابن وضعت جيشها على حدود ايران اثر دخول العراق وانتهاء بالرغبة في اعادة رسم خارطة المنطقة مروراً بأن العالم تغير جذرياً منذ أحداث 11 أيلول 2001. واستغلت الادارة الأميركية هذه الاحداث للانطلاق في لعبة تغيير الأنظمة ان لا تعجبها وبينها النظام الايراني. وكان العراق بعد افغانستان تجربة ناجحة في اطار هذه اللعبة.
وفر الاحتلال الأميركي للعراق نقاط قوة لواشنطن في المواجهة مع طهران. لكنه عرضها في الوقت نفسه لنقاط ضعف في استطاعة الايرانيين استغلالها في الوقت المناسب. أبرز هذه النقاط من دون شك العلاقة بين ايران وبعض الاحزاب الشيعية في الجنوب. وإذا كانت ايران بين الدول القليلة في المنطقة التي شجعت سراً الاحتلال الأميركي للعراق نظراً الى أنه أدى الى قلب نظام صدام حسين وقيام نظام ليس معروفاً كيف سيكون شكله باستثناء أنه يعترف بأن الأكثرية في العراق شيعية، لا يزال غير معروف مدى تأثير طهران على شيعة العراق وقدرتها على تحريكهم. كل ما في الأمر أن ايران استطاعت ارسال عناصر من الحرس الثوري الى جنوب العراق للعمل مع الموالين لها. وعلى الرغم من ان هدوءاً يسود تلك المنطقة من العراق، يلاحظ أن جريمة قتل السيد عبد المجيد الخوئي، الشخصية الشيعية المعروفة التي كانت تحظى بدعم أميركي وبريطاني وعربي في آن، ما زالت لغزاً محيراً. الأمر الوحيد الثابت هو أن مقتل الخوئي الذي كان يمتلك مشروعاً سياسياً حضارياً لا علاقة له بالمشروع الايراني، لعب دوراً اساسياً في ايجاد فراغ سياسي في أوساط الشيعة صبّ في مصلحة ايران...
انها لعبة شد حبال واضحة. واذا كان عدد من كبار المسؤولين العرب يعتقد أن الأميركيين لا يمكن أن يذهبوا بعيداً في محاولتهم تغيير النظام الايراني وذلك من منطلق أن المسؤولين في طهران، الى أي جناح انتموا، يدركون ما يجب عمله للمحافظة على شعرة معاوية مع واشنطن، فان آخرين يرون ان الجناح المتشدد في الإدارة سيدفع في النهاية في اتجاه مواجهة مكشوفة مع طهران. ويعتقد الذين يؤمنون بأن المواجهة حتمية، ان ادارة بوش الابن لا يمكن أن تتساهل مع نظام يسعى الى أن يكون قوة نووية وان يتصرف على هواه في "الحرب على الارهاب" فيضع شروطاً على الادارة الأميركية. والأهم من ذلك كله، لا يمكن للادارة ان تقبل بأن يكون المستقبل السياسي للرئيس الأميركي الساعي الى تجديد ولايته رهن ارادة ايران. ويتذكر هؤلاء أن جيمي كارتر سقط امام رونالد ريغان أواخر العام 1980 بقرار ايراني، وذلك عندما قررت طهران عدم الافراج عن رهائن السفارة الأميركية قبل موعد الانتخابات الأميركية. وقتذاك كان كافياً الافراج عن الرهائن قبل الانتخابات ليفوز كارتر. لكن مفاوضات سرية مع مبعوثين لريغان ادت الى اتفاق على ابقاء الرهائن الأميركيين في السفارة الى ما بعد الانتخابات. وقد اطلق الرهائن بعد 444 يوماً من احتجازهم وبعد التأكد من انتصار ريغان على كارتر!
سيكون كافياً أن يبدأ قتل جنود أميركيين في المناطق ذات الأكثرية الشيعية أو في بغداد نفسها قبل الانتخابات الأميركية خريف السنة المقبلة ليصير الحديث عن احتمال سقوط بوش الابن جدياً. حتى الآن، استطاعت الادارة الأميركية تبرير سقوط قتلى بوجود عناصر موالية لصدام حسين ما زالت تقاوم من منطلق أنها متضررة من سقوط النظام. وقد يكون ذلك صحيحاً أو لا يكون، لكن المقاومة للأميركيين ما زالت الى اشعار آخر محدودة ومحصورة بمناطق معينة هي المناطق السنية.
تبرر هذه المخاوف لدى إدارة بوش الابن حصول مواجهة مع إيران في مرحلة ما. وهي تفسر أيضاً الأسباب التي تدعو مسؤولين اميركيين الى التنديد بين الحين والآخر بما يسمونه الدور الايراني في العراق. ولكن ما قد يحول دون هذه المواجهة انه من الآن الى قرب حلول موعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني 2004، يحتمل حصول تغيير داخلي في ايران وان من الخطأ تحدي الايرانيين نظراً الى أن ذلك سيوحد اجنحة النظام ازاء "الخطر الخارجي الأميركي". المشكلة ان المنادين بهذه السياسة، أي سياسة التروي مع طهران ليسوا أكثرية داخل الادارة وجلهم في وزارة الخارجية التي تبدو مع مرور الوقت وكأنها تتراجع باستمرار أمام منطق "صقور" وزارة الدفاع...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00