قبل أيام قطعت السلطات الإسرائيلية اتصالاتها بهيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي." وكان بث التلفزيون التابع للهيئة برنامجاً عن السلاح النووي الإسرائيلي عنوانه "السلاح السري لإسرائيل" بمثابة "القشّة التي قصمت ظهر البعير" على حد تعبير المسؤولين الإسرائيليين الذين برّروا بذلك مقاطعة الدولة اليهودية لمؤسسة محترمة ومستقلة معروف جيداً انها لا تساير حتى الحكومة البريطانية.
كل ما فعلته الـ"بي.بي.سي." التي تأخذ عليها إسرائيل منذ فترة طريقة تغطيتها الانتفاضة الفلسطينية انها عرضت حقائق تتناول البرنامج النووي الإسرائيلي بما في ذلك خطف العالِم موردخاي فعنونو المحتجز لديها منذ سنوات والذي كشف بالأرقام والمعلومات الدقيقة كيف صنعت إسرائيل أسلحة نووية وكيف تحتفظ بهذه الأسلحة وأين تخبئها.. ومخاطر هذه الأسلحة على المنطقة كلها!
ما الذي تدلّ عليه التصرفات الإسرائيلية؟ تدل أولاً على ان إسرائيل في حقل العلاقات العامة ليست أفضل من أي دولة عربية بما في ذلك الدول العربية المتزمتة التي لا تعرف كيف تتعاطى مع الصحافيين الأجانب وتضع العراقيل أمامهم متى جاؤوا إليها. أكثر من ذلك، ان إسرائيل تظهر للمرة الألف انها دولة إرهابية همّها الأول ان ينحاز العالم إلى إرهابها ويغطيه، ومن لا يفعل ذلك يعتبر "نازياً" من دون أخذ في الاعتبار للدور الذي لعبه في الحرب على النازية، وكانت هيئة الإذاعة البريطانية أداة من أدوات هذه الحرب.
ولكن ما قد يكون أهم من ذلك، ان إسرائيل لم تنفعل وتذهب إلى حد قطع علاقاتها مع الـ"بي.بي.سي." لولا المتغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط والتي يمكن ان تؤدي إلى فرض السلام عليها فرضاً، هي التي تعتبر السلام عدوها الأول كونه يعيدها إلى حجمها الحقيقي ويفرض عليها واجبات من نوع تلك التي على الدول الطبيعية التزامها. واللافت هنا ان برنامج "السلاح السري لإسرائيل" سبق ان عرض قبل فترة عبر احدى القنوات المحلية للـ"بي.بي.سي."، لكن ذلك لم يثر سوى رد فعل محدود في حينه. ولم يصل الجنون الإسرائيلي إلى حد اتخاذ إجراءات في حق هيئة الإذاعة البريطانية. فما الذي استجدّ الآن بعد عرض البرنامج عبر التلفزيون العالمي التابع للـ"بي.بي.سي." واسمه ""بي.بي.سي. وورلد"؟
تعرف إسرائيل قبل غيرها ان عرض البرنامج على القناة العالمية جاء بموجب اتفاق داخلي تعيد بموجبه هذه القناة تلقائياً بث بعض البرامج ذات الطابع العالمي بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر من بثها محلياً. لذلك ليس هناك ما يبرر كل هذه الضجة وكل هذا الانفعال إلا إذا كان السبب الحقيقي توقيت البث. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان إسرائيل يمكن ان تكون باشرت حملة وقائية تفادياً للبحث في أسلحة الدمار الشامل التي في حوزتها، وهي تريد قطع الطريق باكراً على مثل هذه الخطوة.
بكلام أوضح ان إسرائيل ربما ترى ان بث البرنامج مساء السبت الماضي كان في توقيت غير مناسب لها نظراً إلى انه جاء مع طرح قضية سعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية وإصرار الولايات المتحدة وأوروبا على عدم حصول ذلك. وقد توجه وزير الخارجية البريطاني جاك سترو إلى طهران لتأكيد ان المجتمع الدولي سيبذل كل ما يستطيع لمنع إيران من ان تصبح قوة نووية. وبالطبع ستردّ عليه إيران بأن برنامجها النووي للأغراض السلمية وأن على بريطانيا قبل ان تدعو إيران إلى وقف برنامجها النووي الاهتمام بما تفعله إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي بشهادة البرنامج الذي عرضته هيئة الإذاعة البريطانية.
باختصار، يبدو ان إسرائيل لا تقبل أن تكون دولة طبيعية في المنطقة وستقاوم بشدة أي محاولة لجرّها إلى هذا الموقع، ولذلك حاربت عملية السلام التي تحاول أميركا إعادة الحياة إليها عبر تنفيذ "خارطة الطريق"، وها هي تقطع علاقاتها مع الـ"بي.بي.سي." لمجرد ان البرنامج الذي عرضته يوحي بأن المطلوب تدمير أسلحة الدمار الشامل في المنطقة كلها وليس لدى العرب وإيران فقط، إنه سبب كاف لإثارة كل المخاوف الإسرائيلية، وهي مخاوف تؤكد شيئاً واحداً على الأقل هو ان السلام ليس في مصلحتها بل هو في مصلحة الجانب العربي...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.