8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الآراء الواردة في هذه المقالات تعبّر عن وجهة نظر أصحابها فقط أليس ذلك ما تريده إسرائيل؟

في ظل أوضاع اقليمية في غاية التعقيد، في استطاعة الفلسطينيين أن يكسبوا المعركة. الشرط الأول للانتصار على إسرائيل يتمثل في وحدة الموقف الفلسطيني مع تحديد الأهداف الفلسطينية. والشرط الثاني أن تكون هذه الأهداف واقعية ومقبولة من العالم. والشرط الثالث ألا يكون هناك أي مبرر لقطيعة مع الجانب الأميركي الذي يسعى ارييل شارون باستمرار الى جعله الى جانبه.
أكثر من ذلك إن الهدف الأساسي لشارون يتلخص بالاستئثار بأميركا.
وربما كان الانتصار الوحيد الذي حققه حتى الآن على ياسر عرفات نجاحه في قطع طريق البيت الابيض عليه. ولولا هذا النجاح، لما كان الزعيم الفلسطيني أسير رام الله منذ ما يزيد على سنة ونصف السنة.
ساعد الاستئثار بأميركا إسرائيل في تنفيذ سياسة تستهدف إدامة الاحتلال، وعرف ارييل شارون كيف يلعب ورقة أحداث 11 أيلول 2001 في حين لم يتمكن الجانب الفلسطيني لأسباب كثيرة بينها العمليات الانتحارية داخل "الخط الأخضر" من مجاراته في هذا المجال.
والمؤسف أن الذي يجري حالياً يصب في خدمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، ذلك أن حركة مثل "حماس" التي يُفترض بها أن تكون واعية سياسياً تعمل كل ما في استطاعتها لإفقاد الجانب الفلسطيني تعاطف العالم والإدارة الأميركية تحديداً.
إذا كانت "حماس" تريد بالفعل خدمة الشعب الفلسطيني، السبيل لذلك واضح، بل في غاية الوضوح، إن كلمة السر هي التعاطي بصدق مع السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفلسطينية برئاسة السيد محمد عباس (أبو مازن) من أجل التفاهم على ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله.
ما يمكن عمله في هذه الأيام هو التوصل الى استراتيجية واضحة ومحددة تمكن السلطة الوطنية والحكومة من إعادة مد الجسور مع الإدارة الأميركية ومع القوى المؤثرة في العالم على رأسها أوروبا، والاستراتيجية الواضحة تعني محاولة فهم ما يدور في هذا العالم حيث تحاول أوروبا استرضاء أميركا بعدما تفادت السير معها في الحرب على العراق. أوليست الحماسة الأوروبية للموقف الأميركي من الأسلحة النووية الايرانية التي قد تكون مثل أسلحة الدمار الشامل العراقية التي يتبين يومياً أن لا وجود لها، دليلاً على أهمية أن تكون هناك جسور لأي طرف عربي مع الولايات المتحدة؟
هناك أمور لا يجوز عملها هذه الأيام. في مقدم هذه الأمور العراضات المسلحة والإشادة بالعمليات الانتحارية وتبنيها وإظهار الشعب الفلسطيني في مظهر الشعب الذي يريد القضاء على الآخرين، في حين أن الحقيقة مختلفة كلياً وهي أنه شعب مهدد يعاني من الإرهاب الإسرائيلي الذي يُمارس في حقه يومياً. نعم إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ظلم فظيع، ولكن رفع هذا الظلم لا يكون باستعداء الإدارة الأميركية على الرغم من كل التحفظات عن السياسات التي تمارسها، ولا يكون بعمليات انتحارية وشعارات عفا عنها الزمن من نوع تلك التي كان يرددها صدام حسين عن فلسطين.
الواقع هو الواقع، ولا مفر من التعاطي معه مهما كان سيئاً، والتعاطي مع الواقع يعني في هذه الأيام أنه على حركة "حماس" الاحتفاظ بما تعتبره مبادئ لا يمكن التخلي عنها بما في ذلك أن "أرض فلسطين وقف إسلامي". إلا أن ذلك لا يمكن أن يمنعها من تعاطي السياسة بطريقة مختلفة عبر الاعتراف بأن الجهود التي تبذلها مصر لتسهيل تنفيذ "خريطة الطريق" إنما هي جهود تستهدف إحراج إسرائيل وليس تسهيل مهمة ارييل شارون. ولذلك، لا مفر من توحيد القرار السياسي الفلسطيني ولا مفر خصوصاً من توحيد البندقية الفلسطينية بدل بقاء غابة السلاح التي تعني شيئاً واحداً هو أن شارون محق من وجهة النظر الأميركية وهو يخوض حرباً على الإرهاب على غرار الحرب التي تخوضها أميركا، في حين أنه الإرهابي الرقم واحد في العالم...
الأمل كبير بأن تقتنع "حماس" أخيراً بأن تضع نفسها في خدمة السلطة الوطنية والحكومة المنبثقة عنها. وعليها قبل كل شيء أن تتوقف عن الرهان على أن هناك خلافاً حاداً بين "أبو عمار" و"أبو مازن" وأنها قادرة على استغلال هذا الخلاف. فالذي حصل في الأسابيع القليلة الماضية منذ انعقاد قمتي شرم الشيخ والعقبة أن هناك تنسيقاً كاملاً بين الرجلين بعيداً عن أي نوع من الحساسيات، وبات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية يدرك أن نجاح رئيس الوزراء نجاح له، كذلك يدرك "أبو مازن" أن نجاحه مرتبط بالغطاء الذي يوفره له "أبو عمار" بصفة كونه الرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من الحصار المفروض على الرجل، يبقى الى إشعار آخر ضرورة فلسطينية وضرورة لأي اتفاق يمكن التوصل اليه.
آن أوان تسمية الأشياء بأسمائها، فليس في استطاعة إنسان عربي أن يمنع "حماس" من الايمان بما تؤمن به وبحقها في تحرير فلسطين "من البحر الى النهر"، ولكن ليس في استطاعة أي إنسان عربي أن يتجاهل الواقع الاقليمي والدولي، وهو واقع فرض على قمة بيروت في العام 2002 تبني مبادرة سلام تقوم على فكرة دولتين على أرض فلسطين تفصل بينهما خطوط العام 1967. في النهاية على "حماس" ألا تنسى أن الجيش الفلسطيني لا يطوق حيفا وتل أبيب، بل إن الإرهاب الإسرائيلي يطرق يومياً أبواب القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وهو يشرد ويعذب ويقتل ويعتقل. فهل كثير على الشعب الفلسطيني أن يتعلم من تجاربه السابقة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00