8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل في استطاعة أميركا التراجع؟

هل من مخرج يعيد "خارطة الطريق" الى الطريق الذي يفترض ان تسير فيه، أي الى تسوية عادلة تقوم على فكرة وجود دولة فلسطينية "قابلة للحياة" الى جانب دولة إسرائيل؟
أظهرت أحداث الأيام الأخيرة التي بدأت بمحاولة اغتيال أحد قادة "حماس" عبد العزيز الرنتيسي أن آرييل شارون جدي في مقاومته أي محاولة لإيجاد تسوية تؤدي في النهاية الى عودة إسرائيل بطريقة أو بأخرى الى حدود عام 1967. عندما سمع في أيلول من العام 2000 ان ثمة محاولة لتجاوز الفشل الذي انتهت اليه قمة كامب ديفيد التي جمعت في تموز الرئيس بيل كلينتون والرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، تعمّد زيارة الحرم القدسي الشريف لإثارة مشاعر الفلسطينيين والمسلمين في كل أنحاء العالم. وكانت زيارته تلك كافية لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي سمّيت "انتفاضة الأقصى" والقضاء على أي محاولة لتحويل كامب ديفيد الى نجاح بعد الزيارة السرية التي قام بها عرفات لباراك في تل أبيب وبعد استئناف المفاوضات بين الجانبين في طابا. و أدت تلك المفاوضات الى تذليل عقبات كثيرة كانت تقف في وجه التوصل الى اتفاق في كامب ديفيد... ولكن بعد فوات الأوان.
التاريخ يكرر نفسه مع شارون الذي أعطى بمحاولة اغتيال الرنتيسي الضوء الأخضر لقصف "خارطة الطريق". وكان طبيعياً ان ترد "حماس" على محاولة اغتيال أحد قيادييها بعملية من نوع تلك التي جرت في القدس وان يستغل الجانب الإسرائيلي عملية القدس لارتكاب جرائم جديدة من نوع تلك التي شهدتها غزة بعد ساعة من عملية القدس...
ما يحصل حالياً يشكل أكبر ضربة لصدقية الرئيس جورج بوش الابن الذي وضع ثقله خلف "خارطة الطريق". وإذا كان من مغزى سياسي لمحاولة اغتيال الرنتيسي فهو ان شارون استهدف عملياً حكومة السيد محمود عباس (أبو مازن) الذي استطاع إقامة علاقة جيدة مع الرئيس الأميركي وإعادة الجسور بين السلطة الوطنية الفلسطينية وواشنطن. تلك الجسور التي يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي ان تهديمها يشكل أولوية الأولويات بالنسبة اليه.
الى الآن، تشير المعلومات المتداولة في العاصمة الأميركية، الى ان هناك استيعاباً لمخاطر استمرار شارون في مخططه. هناك قبل كل شيء نيّة في دعم "أبو مازن" وحكومته من منطلق ان الرجل "لا يعرف الكذب" على حد تعبير مسؤول كبير في الإدارة. إضافة الى ذلك، هناك مصلحة للإدارة في تحقيق نجاح في فلسطين من منطلق ان ذلك يسهل مهمة ممثليها في العراق. وأخيراً هناك قناعة أميركية بأن النجاح في فلسطين سيزيد فرص الرئيس بوش الابن في تجديد ولايته وان المنظمات اليهودية نفسها في الولايات المتحدة تدفع في اتجاه تحقيق مثل هذا النجاح نظراً الى انها تدرك جيداً ان إسرائيل التي تعاني حالياً من مشاكل اقتصادية كبيرة، لا تستطيع في المدى الطويل الاستمرار في تبذير الأموال بالطريقة المعمول بها حالياً، خصوصاً في مجال الاستيطان. وقد بدأ زعماء يهود أميركيون يقولون لوزراء في حكومة شارون: لماذا تصرفون كل هذه الأموال على المستوطنات ما دمتم تعرفون أنه لا بد من تفكيكها يوماً إذا كان المطلوب التوصل الى تسوية؟ أم أنكم تريدون تركها للفلسطينيين تعويضاً عن المنازل التي تدمرونها؟
عاجلاً أم آجلاً، سيتبيّن انه اذا كانت أميركا جدية في التوصل الى تسوية استناداً الى "خارطة الطريق"، سيتوجب عليها التدخل المباشر لكسر حلقة العنف. وذلك لن يكون ممكناً إلا عبر إرسال قوات فصل ومراقبين دوليين تمهيداً لتنفيذ مراحل "خارطة الطريق"، أو على الأصح من أجل فرضها بالقوة. فأميركا تعلم جيداً ان شارون المرتاح الى انه باق في رئاسة الحكومة فترة طويلة بعد فوزه المريح في الانتخابات الأخيرة وبعد امتلاكه حرية تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها حزب العمل إذا شاء ذلك، لن يسير في اتجاه القبول الجدي في تنفيذ "الخارطة" من دون عنصر "الأسباب القاهرة". و"الأسباب القاهرة" بالنسبة اليه لا يمكن الا ان تكون أميركية، وهي على غرار الأسباب التي جعلت مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق بالأكثرية على "الخارطة"...
إن الولايات المتحدة، بعد الذي حصل في العراق، لم تعد مجرد وسيط نزيه أحياناً وغير نزيه في معظم الأحيان بين العرب وإسرائيل، بل صارت جزءاً لا يتجزأ من تركيبة المنطقة، ليس لأن لديها 160 ألف جندي في العراق فحسب، بل لأنها أصبحت أيضاً بفضل وجودها العسكري في هذا البلد على حدود إيران وتركيا والسعودية والأردن وسوريا والكويت. ومثل هذا الوجود يفرض عليها مسؤوليات كبيرة لم يعد في استطاعتها التهرّب منها، كون تهربها من هذه المسؤوليات، خصوصاً التراجع عن تنفيذ "خارطة الطريق" ستكون له انعكاساته، صدقيتها في المنطقة من جهة وعلى إعادة انتخاب بوش الابن لولاية جديدة من جهة أخرى. هل لدى آرييل شارون من القوة ما سيحمل الرئيس الأميركي على التراجع أم ان دورة العنف الأخيرة دليل على إفلاس رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي استطاع ان يلفظ كلمة "الاحتلال" لوصف الوجود العسكري في الضفة الغربية وغزة، لكنه غير قادر على التصرف استناداً الى النتائج التي تترتّب على مثل هذا الاعتراف؟ وحدها الولايات المتحدة تبدو قادرة، إذا شاءت، على جعله يبتلع هذه النتائج مثلما ابتلع كأس السم التي اسمها الاعتراف بالاحتلال. هل تفعل؟ هل تستطيع الا تفعل فتتخلى عن "خارطة الطريق"؟ وماذا سيعني ذلك عندئذ بالنسبة الى مشروعها في العراق الذي تريده منطلقاً لإعادة تشكيل المنطقة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00