8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل انتهى "أبو عمار" مع صدّام؟

في قمة بيروت التي انعقدت في آذار من العام 2002، كان الموضوع الأساسي، الى جانب مبادرة السلام العربية طبعاً، هل يحضر ياسر عرفات القمة؟ واتخذت وقتها اجراءات فُهم منها ان ثمة محاولات جدية لضمان وصوله الى بيروت وتأمين عودته الى رام الله. لكن الذي حصل ان عوامل عدة بعضها عربي، أدت في النهاية الى غياب "أبو عمار". وكان العامل الحاسم الذي أدى الى ذلك، ان آرييل شارون قرر ان يسمح لعرفات بحضور قمة بيروت شرط ألا يعود الى الأراضي الفلسطينية. وهذا ما رفضه الزعيم الفلسطيني الذي يظلّ الإنجاز الأول الذي حققه في تاريخه السياسي الطويل انه عاد الى أرض فلسطين وأعاد معه منظمة التحرير اليها بغض النظر عن رقعة الأرض التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية. وهي رقعة تقلّصت مع الوقت...
بعد سنة من قمة بيروت، صار غياب عرفات عن الاجتماعات العربية مقبولاً، حتى لا نقول طبيعياً. وفي القمة التي انعقدت في شرم الشيخ قبيل اندلاع الحرب الأميركية على العراق مطلع آذار الماضي، لم يأتِ أحد على ذكر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ولم تكن هناك أي إشارة الى حضوره أو غيابه. صار الغياب أمراً واقعاً قَبِلَ به العرب أولاً وقرروا التعاطي معه على هذا الأساس، علماً بأنه لم يكن لهم في البداية رأي في عملية التغييب هذه.
الآن، وبعد الحرب على العراق، وبعد تشكيل حكومة فلسطينية جديدة اثر قبول عرفات بتعيين رئيس للوزراء هو السيد محمود عباس "أبو مازن"، صاحب الشخصية المختلفة تماماً عن شخصية "أبو عمار"، بات واضحاً ان الإدارة الأميركية نجحت في سعيها الى تفادي التعاطي مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وهي ذهبت في مساعيها هذه في نيسان الماضي الى حدّ الطلب من عضوين في الكونغرس توجها الى رام الله عدم مقابلة عرفات والاكتفاء بمقابلة "أبو مازن". لم يقبل عضوا الكونغرس ذلك، بل عملا على كسر العزلة الأميركية عن عرفات. لكن ذلك لم يكن كافياً لإدخال أي تعديل على السياسة الأميركية. كل ما في الأمر ان هناك إصراراً لدى الإدارة الحالية على استبعاد التعاطي مع عرفات بعد حصول اتفاق بين السياسيين الإسرائيليين المنتمين الى حزب العمل أو الى تكتّل ليكود على ضرورة مقاطعة عرفات. ومثل هذا الاتفاق يلقى منذ البداية تأييداً داخل المؤسسة الأمنية العسكرية.
ما يمكن قوله ان استبعاد عرفات جاء على مراحل، وبداية الحملة عليه كانت في الصحف الإسرائيلية خريف السنة 2000 بعد أيام من فشل قمة كامب ديفيد التي دعا إليها وقتذاك الرئيس كلينتون وحضرها من الجانب الإسرائيلي إيهود باراك الذي ادعى انه قدّم الى عرفات "القمر" لكنه رفضه. الآن، بعد قمتي شرم الشيخ والعقبة وتمثيل "أبو مازن" الجانب الفلسطيني فيهما، يبدو منطقياً طرح سؤال في شأن ما إذا كان "أبو عمار" انتهى فعلاً، على غرار ما حصل مع الرئيس صدام حسين. ويصبح هذا السؤال ملحاً عندما يقول الرئيس بوش الابن في حديث أدلى به الى صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية قبل توجهه الى قمة الدول الصناعية في إفيان: "توافرت لعرفات كل الفرص من أجل ان يقود شعبه الى السلام، لكنه لم يفعل ذلك".
هل ينجح بوش في الانتهاء من "أبو عمار" كما فعل مع صدام، خصوصاً انه يؤمن مع عدد من مساعديه بوجود رابط بين الاثنين؟
سيعتمد كل شيء في نهاية المطاف على ما إذا كان بوش الابن قادراً على تقديم شيء الى "أبو مازن" وحكومته. إذا قدم شيئاً، سيكون عندئذ قادراً على الاستغناء عن "أبو عمار". وهذا الشيء يتجاوز مسألة إبداء "إعجابه" علناً بالفريق الفلسطيني الجديد، أي بحكومة "أبو مازن". هذا الشيء يتعلق بإجراءات عملية على طريق إزالة الاحتلال. مثل هذه الاجراءات ستؤكد للشعب الفلسطيني ان هناك ضوءاً في نهاية النفق وان آرييل شارون لا يرسم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، على العكس من ذلك هناك مصالح أميركية تتجاوز إسرائيل.
مثل هذه السياسة الأميركية التي لا تكتفي بإعلان الرئيس بوش الابن انه "أول رئيس للولايات المتحدة يقول من منبر الأمم المتحدة ان تسوية النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني تمر بإقامة دولة فلسطينية تتعايش مع إسرائيل"، هي التي تحرج ياسر عرفات الذي سيكون قادراً في مرحلة ما على تجاوز كل الاعتبارات والاكتفاء بالقول انه ليس مهتماً بالسلطة ولا بالجاه ما دام استطاع تمكين شعبه من تحقيق حلمه.
إذا كان التعاطي مع ياسر عرفات صعباً، وإذا كان بالنسبة الى الأميركيين شخصاً "لا يمكن الوثوق به" على حد تعبير أحد مساعدي بوش الابن، فإن "أبو مازن" رجل عملي قادر على ان يقول نعم أو لا وان يفرّق بين ما الذي يستطيع عمله وما الذي لا يستطيعه. لكن كل ميزات رئيس الوزراء الفلسطيني لن تعود ذات قيمة اذا لم تقدم الإدارة الأميركية على خطوات يفهم منها انها مصممة على الذهاب الى النهاية في تنفيذ "خريطة الطريق".
إن الذي سيخضع لامتحان حقيقي في الأسابيع المقبلة ليس ياسر عرفات، بل جورج بوش الابن الذي سيكون عليه التعاطي مع إسرائيل ـ آرييل شارون بما يتفق ومتطلبات "خريطة الطريق" وليس بما يتفق وتحفظات إسرائيل عن "خريطة الطريق". وفشل الرئيس الأميركي سيجعل "أبو عمار" يضحك طويلاً حتى ولو بقي أسير مقره في رام الله. وسيضحك أكثر عندما يكتشف انه لا بد من العودة اليه يوماً وان الحل ليس مرتبطاً ببقائه أو عزله وإنما بالاعتراف الأميركي بأن كلمة السرّ هي كلمة "الاحتلال" لا أكثر ولا أقل. هل تريد أميركا بقاء الاحتلال أم زواله. إذا كانت تريد بالفعل زواله لا مجال للتلهّي باتخاذ مواقف من ياسر عرفات الذي لا يحتاج الى رجل مثل جورج بوش الابن ينصفه أو لا ينصفه... وهو على الأرجح لن ينصفه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00