8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أفكار بسيطة ليهود أميركيين!

إذا كانت الادارة الأميركية مستعجلة فعلاً في التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط، بدءاً بحل النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وصولاً إلى حل شامل من خلال الانسحاب الكامل من الجولان ومزارع شبعا، لن تكون عندئذ حاجة إلى جهود لا طائل منها تزيد من التعقيدات أمام تحقيق التسوية.
في هذه الحال، لن تعود هناك مثلاً حاجة إلى كل تلك المحاولات لعزل ياسر عرفات، الذي ربما ارتكب أخطاء، لكنه يظل رمزاً للشعب الفلسطيني كونه يرفض توقيع أي اتفاق لا يقود إلى تحرير الأرض كل الأرض استناداً إلى القرار 242 ومبدأ الأرض في مقابل السلام.
كذلك، إذا كانت الادارة على عجلة من أمرها وتسعى حقيقة إلى شرق أوسط مستقر، فلن تكون حاجة لا إلى خارطة الطريق وإلى طريق للخارطة ولا إلى مزيد من الدمار والارهاب يمارسهما ارييل شارون لتغذية التطرف في الجانب الآخر، خصوصاً لدى بعض المنظمات الفلسطينية العاملة في خدمته وإشباع غريزة الانتقام من الشعب الفلسطيني. تلك الغريزة التي ولدها شعور عميق لديه بأن هذا الشعب صاحب الحق التاريخي في أرضه وأن اسرائيل لن تكون قادرة على انتزاع الأرض إذا لم تفنِ الشعب.
تستطيع الادارة الأميركية أن تجد حلاً من خلال الاستماع إلى نصائح يقدمها يهود أميركيون باشروا حملة لإعادة المستوطنين إلى داخل خط عام 1967. تعتمد الحملة على فكرة توفير أقل من ثلاثة مليارات دولار لإخلاء كل المستوطنات، وهو مبلغ زهيد مقارنة مع ما دفعته اسرائيل وما تدفعه من أجل المحافظة على هذه المستوطنات التي هي في الواقع مستعمرات.
تستند الحملة التي يقودها يهود بارزون من أمثال الممثل اد آزنر والروائي مايكل تشابون ورسام الكاريكاتير آرت سبيغلمان إلى الأرقام. وهي تقول: "في السنوات الـ 35 الماضية، أُغري أكثر من 200 ألف اسرائيلي بفضل تسهيلات اقتصادية من أجل الاستيطان في الضفة الغربية وغزة. وأظهر استطلاع شامل أجري حديثاً الدافع لدى نسبة ثمانين في المئة من المستوطنين البحث عن حياة أفضل لهم ولعائلاتهم وليس الأسباب الايديولوجية أو الدينية...". ويضيف القائمون بالحملة: "إن الاستيطان لم يعزز الأمن الاسرائيلي (...)وليس صحيحاً ان المستوطنين سيقاومون عملية اعادتهم إلى داخل خط العام 1967. على العكس من ذلك، إن اكثرية هؤلاء على استعداد للانسحاب في مقابل تعويضات مالية".
بدل تعقيدات "خارطة الطريق" التي تظل ذات ايجابيات معينة نظراً إلى تحديدها الهدف (دولة فلسطينية) والمدة الزمنية لبلوغه (السنة 2005) واعتماد مرجعية تتمثل في القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، يمكن اختصار الطريق وتوفير عذابات على الجميع عبر بعض الأفكار البسيطة من نوع تلك الصادرة عن يهود أميركيين. هؤلاء على الأقل لا يمكن التشكيك في أنهم يريدون ازالة دولة اسرائيل من الوجود، لكنهم يبحثون عن السلام الذي هو في مصلحة كل أهل المنطقة.
من بين الأفكار البسيطة تسمية الأشياء باسمائها، أي ان الاحتلال هو الاحتلال، وان الاستيطان في الضفة الغربية وغزة يؤسس لحروب جديدة في المنطقة نظراً إلى أن إسرائيل لن تكون قادرة في أي وقت على الغاء الشعب الفلسطيني. وهذا الشعب سيستمر في المقاومة بوجود ياسر عرفات أو بغيابه ولن يقبل بأقل من دولة مستقلة تعيد له بعض حقوقه التاريخية.
ومن الأفكار البسيطة أيضاً أن اخلاء اسرائيل المستوطنات وانسحابها إلى حدود 1967 يمكن الاتفاق على شكله النهائي عبر المفاوضات وانطلاقاً مما توصل إليه الجانبان في طابا، يشكلان الضمانة الأولى للأمن الاسرائيلي، هذا اذا كانت اسرائيل تبحث حقيقة عن الأمن. فالانسحاب مع اخلاء المستوطنات سيجعل من الخط الفاصل بين الجانبين مسؤولية فلسطينية أولاً، ولن يعود في استطاعة أي سلطة أو حكومة فلسطينية أكانت مسيّرة من "أبو عمار" أو "أبو مازن" التذرع بأي سبب للقول إنها غير قادرة على ضبط العنف. إن مثل هذا الانسحاب يمكن ان يشكل مفتاح النجاح لـ "خارطة الطريق" التي دعت إلى تجميد الاستيطان.
ولكن هل الادارة الأميركية مهتمة بالتسوية؟ هل صحيح أن الرئيس بوش الأبن قرر الذهاب إلى النهاية في تطبيق "خارطة الطريق" بدليل انها نشرت من دون ادخال تعديلات عليها على الرغم من الإصرار الاسرائيلي على هذه التعديلات؟
المؤسف أن التجارب الماضية في الشرق الأوسط، أظهرت أن اسرائيل قادرة على تمييع كل الخطط الأميركية وغير الأميركية الهادفة إلى ايجاد تسوية معقولة ومقبولة. صحيح أن العرب ارتكبوا أخطاء كثيرة ولم يحسنوا في أي يوم استغلال الفرص التي توافرت وسقطوا في كل الأفخاخ التي نصبت لهم أو نصبوها لأنفسهم، لكن الصحيح أيضاً أن اسرائيل سعت باستمرار إلى تفادي التسويات التي تتضمن نقاطاً واضحة ولذلك يمكن أن تتظاهر بأنها مستعدة لتنفيذ "خريطة الطريق" وأن تعمل في الوقت نفسه على إفشالها مستفيدة من الثّغر التي فيها. بالوضوح وحده تستطيع الادارة الأميركية سد هذه الثُّغر ووضع كل طرف أمام مسؤولياته، بدءاً بتأكيد ان انهاء الاستيطان يغير كل عناصر المعادلة القائمة حالياً بقطعه الطريق على العنف والارهاب. هل تقدم ادارة بوش الابن على مثل هذه الخطوة مستفيدة من أن النصيحة هذه المرة ليست عربية بل إن مصدرها يهود أميركيون؟ ولكن يبقى السؤال هل هي مستعجلة فعلاً؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00