8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أميركا وجيران العراق

بعيد الحرب على العراق، لا بد من التعاطي بمزيد من الحذر مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن، والسبب الذي يدعو الى ذلك بسيط وهو أن شهية الإدارة الى مزيد من "الانتصارات" زادت بعد السرعة التي اجتاح بها الجيش الأميركي العراق، حتى ان مجموع الخسائر الأميركية والبريطانية في عملية السيطرة على بلد بمساحة فرنسا لم تتجاوز 200 قتيل نصفهم راحوا ضحية "نيران صديقة" وحوادث عرضية.
مثل هذا الانتصار السهل سيغري الإدارة بالعمل من أجل إعادة تشكيل الشرق الأوسط انطلاقاً من الذي حصل في العراق. وسيكون الهدف واضحاً وسيتمثل بالرغبة في إعادة رسم خريطة المنطقة على الطريقة الأميركية التي ليست بعيدة عن تطلعات إسرائيل.
لا شك أن في واشنطن من يدعو الى التعجيل في فرض الإرادة الأميركية على الشرق الأوسط. ولكن لا تزال هناك أصوات تدعو الى اعتماد التعقل والعمل من منطلق أن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد ولا بدّ من التفريق بين الانتصار على صدام حسين ونظامه من جهة والانتصار على العراق من جهة أخرى، ولأن هناك بعض العقلاء، صدرت دعوات الى عدم تجاهل الدول المحيطة بالعراق في المساعي الهادفة الى تشكيل حكومة انتقالية في البلد.
هناك ست دول تحيط بالعراق هي سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت، إضافة الى تركيا وإيران. فلماذا لا ينعقد مؤتمر تشارك فيه الدول الست مع الولايات المتحدة وبريطانيا ومع ممثل للأمم المتحدة من أجل التوصل الى صيغة يمكن أن تساهم في خروج العراق من حال الفوضى التي هو فيها. وفي هذا المجال يقول مراقبون أجانب خرجوا من بغداد حديثاً إن حالاً من الفوضى تسود العاصمة العراقية وإن الأميركيين هناك لا يعرفون حتى ما الذي يجب عمله لمواجهة الوضع.
ليس ما يمنع الولايات المتحدة من مشاركة الدول الست للبحث في مستقبل العراق. وإذا كان هناك اعتراض على إيران، يمكن تذكير إدارة بوش الابن بأنه سبق لها في الماضي أن التقت ممثليها في إطار البحث في مستقبل أفغانستان وقتذاك، عقدت الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة محادثات مع ممثلين للدول الخمس المحيطة بأفغانستان بغية تشكيل حكومة جديدة برئاسة قرضاي. ونقلت مجلة "تايم" عن عضو في الوفد الأميركي شارك في المحادثات مع الإيرانيين قوله: "استطعنا التوصل الى بعض الاتفاقات الأساسية التي أدت الى مؤتمر بون الذي انبثقت عنه حكومة قرضاي. وعليّ الإشارة الى أن الإيرانيين كانوا الجهة التي تعاونت أكثر من غيرها بين جيران أفغانستان خلال العملية" التي أوصلت الى قيام حكومة قرضاي.
بفضل التعاون مع جيران أفغانستان، أمكن تحقيق حد أدنى من الاستقرار في البلد بعد انهيار نظام "طالبان".
وبسبب إهمال أميركا للجيران بدأ الوضع في أفغانستان يتدهور هذه الأيام. وهذا ما حذّر منه ممثل الأمم المتحدة السيّد الأخضر الابراهيمي الذي صرح قبل أيام أن ثمة مؤشرات الى أن الوضع في البلد بدأ يسوء خصوصاً أن أميركا، التي لم يشر اليها بالاسم، لم تفعل شيئاً من أجل تمكين السلطة المركزية من مد نفوذها الى خارج كابول.
صحيح أن العراق ليس أفغانستان وأن الإدارة الأميركية مهتمة بايجاد حد أدنى من الاستقرار في البلد الأول نظراً الى أنه بلد نفطي ويمتلك ثاني أكبر احتياط في العالم، لكن الصحيح أيضاً ان أميركا لن تكون قادرة في أي وقت على تحقيق هذا الاستقرار من دون تعاون الجيران من العرب وغير العرب. وذلك في انتظار العودة الى الأمم المتحدة ومؤسساتها بغية ضمان حد ما من الشرعية لأي نظام عراقي جديد.
من الناحية العملية، ثمة مصلحة لدى جيران العراق في تحقيق استقرار فيه. وفي الوقت نفسه، هناك مصالح لهؤلاء الجيران: إيران ستدافع عن حقوق الشيعة الذين يشكلون الأكثرية وهي ترى في بعض زعمائهم امتداداً لنفوذها. ولذلك لن تقبل بإقصاء هؤلاء لمصلحة "رجال أميركا". لكن إيران لا يمكن أن تدفع في اتجاه سيطرة شيعية كاملة على البلد خشية أن يؤدي ذلك الى إثارة الأكراد وتشجيع النزعة الانفصالية لديهم، مما سيؤدي الى تدخل عسكري تركي مباشر في شمال العراق. أما الدول العربية الأربع فهي مهتمة بطريقة أو بأخرى بأن لا تكون هناك نزاعات طائفية ومذهبية في العراق، كي لا تنتقل العدوى اليها. وهناك بالطبع اهتمام لدى الدول الأربع بألا يكون في العراق نظام معادٍ لها عموماً.
الآن وقد احتلت أميركا العراق، لم يعد هناك من يريد مناقشتها على نفطه، فلماذا لا تستفيد من التوجهات الايجابية لجيران البلد كي تنهي احتلالها له في أسرع وقت ممكن. أم أن العراق سيكون قاعدة تُستخدم لتأديب أنظمة أخرى في المنطقة؟ يُفترض ألا يغيب عن ذهن الأميركيين أن مغامرة العراق كانت سهلة لأن صدام حسين فريد من نوعه في العالم ليس إلا. وعلى الرغم من أنهم يعتبرون أنفسهم في حال حرب منذ 11 أيلول 2001، إلا أن عليهم ان يأخذوا في الاعتبار أن العالم لم يتغير الى حد بات على كل دولة أن تقبل بإملاءاتهم وإلا... حل بها ما حل بالعراق!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00