8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

..لا "أبو مازن" ولا ألف حكومة!

ماذا يعني تشكيل حكومة فلسطينية جديدة برئاسة السيد محمود عباس (أبو مازن) المنادي بوقف عسكرة الانتفاضة؟ هل تشكيل مثل هذه الحكومة يعني خسارة لرئيس السلطة الوطنية ياسر عرفات ام وسيلة لإنقاذ ما يمكن انقاذه فلسطينياً في ظل ظروف اقليمية معقدة؟
في البداية لم يكن سهلاً على "أبو عمار" اتخاذ قرار بتعيين رئيس للوزراء. كذلك لم يكن سهلاً قبول حكومة يتولى حقيبة الأمن فيها العقيد محمد دحلان الذي يمكن ان يشكل عنصراً من عناصر النجاح لحكومة "أبو مازن". ولكن إذا وضعنا التجاذبات الداخلية الفلسطينية جانباً، وكان آخر تعبير عنها العملية التي وقعت في كفرسابا قرب تل ابيب، يظل السؤال الأساسي الذي يفترض طرحه هل هناك رغبة أميركية حقيقية في تنفيذ "خريطة الطريق"؟
في حال توافرت هذه الرغبة، لن تعود التجاذبات الفلسطينية ـ الفلسطينية مشكلة، ولن يكون في استطاعة ارييل شارون التذرع بقتل اسرائيليين داخل ما يسمى "الخط الأخضر" كي يضع مزيداً من العراقيل أمام "خطة الطريق" التي لا تشكل في نهاية المطاف سوى أداة للوصول الى ما هو أكثر من طبيعي، أي تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بدل التحايل عليها تفادياً لتطبيقها بغية تكريس الاحتلال.
ما يثير القلق حالياً أن إدارة بوش الابن تبدو غير مستعدة لأي مواجهة مع شارون، وذلك على الرغم من النصائح البريطانية التي تتلقاها بين الحين والآخر. وفحوى هذه النصائح أن النجاح العسكري في العراق لا يمكن ان يعني شيئاً في المدى الطويل إذا لم تكن هناك معالجة سياسية حقيقية لكل النزاعات في المنطقة. وعلى رأسها يأتي النزاع العربي ـ الاسرائيلي الذي يظل في رأي العرب، بما في ذلك اولئك الذين استخدمت الولايات المتحدة قواعد في أراضيهم لإسقاط النظام العراقي وغزو العراق، بمثابة الامتحان الحقيقي للنيات الأميركية.
نجحت الضغوط الأميركية والأوروبية وحتى الروسية والعربية في فرض حكومة برئاسة "أبو مازن". وفي ضوء تجارب الأشهر الأخيرة، يمكن القول ان الجانب الفلسطيني نفذ القسم الأكبر مما هو مطلوب منه، وجاء الآن دور الجانب الاسرائيلي في الإقدام على خطوة في اتجاه ملاقاة الفلسطينيين عند منتصف الطريق، وذلك يكون بوقف الإرهاب الشاروني أولاً، وهو إرهاب من اجل الإرهاب، ومن اجل تنفيذ خطة تستهدف بناء أكبر عدد من المستوطنات او توسيع تلك القائمة حالياً وتشريد آلاف الفلسطينيين...
اتخذ الفلسطينيون موقفاً عاقلاً بتجاوزهم مسألة تعيين رئيس للوزراء وتشكيل حكومة له حصة الأسد فيها. وعلى الرغم من ان ذلك أوجد حساسيات لدى "أبو عمار" الذي صار لديه للمرة الأولى شريك في اتخاذ القرار، إلا أن الأمر المهم الذي يفترض به الا يغيب عن البال هو ان كل التنازلات لن تكون ذات شأن إذا تبين انها تصب في الاتجاه الصحيح. والاتجاه الصحيح حالياً هو العمل من اجل الا يدفع الفلسطينيون ثمن سقوط النظام العراقي في ظل هذه الهجمة الأميركية على المنطقة. وإذا كانت الحكومة الفلسطينية تساهم في تحييد إدارة بوش الابن، لا بأس في ذلك، المهم أن تكون خطوة اولى على طريق وقف الحملة التي يشنها شارون من اجل الاستفادة الى أقصى حدود من الحرب على العراق التي شارك الاسرائيليون في التنظير لها.
في نهاية المطاف، على "أبو عمار" الا يخشى شيئاً نظراً الى ان لا بديل منه كرمز للشعب الفلسطيني، اضافة الى ان لا بديل من توقيعه على أي صفقة يمكن التوصل اليها. وكان عليه ان يقبل بما قبل به من اجل تجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشرق الأوسط والتي كان يمكن ان يدفع ثمنها إما عبر إبعاده الى خارج أرض فلسطين او حتى تصفيته جسدياً...
ما الذي ستفعله أميركا بعدما قام الفلسطينيون بما عليهم القيام به؟ هل تتابع حملتها من اجل عزل ياسر عرفات، وقد طلبت الإدارة أخيراً من عضوين في الكونغرس عدم مقابلته، لكنهما رفضا الطلب؟ أم تسعى الى ايجاد توازن في سياستها؟ إذا لم تفعل ذلك فلا "أبو مازن" ولا ألف حكومة فلسطينية يمكن ان يؤدي الى نتيجة باستثناء جعل الشعب الفلسطيني على رأسه ياسر عرفات يدفع بدوره احدى فواتير الحرب على العراق.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00