بعد ثلاثة أسابيع على بداية الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق، كان لا يزال السؤال المحيّر: ما الذي حلّ بالجيش العراقي وبالحرس الجمهوري؟ هل تكفّل سلاح الجو الأميركي بتشتيتهما؟ أم ان الأميركيين بالاشتراك مع البريطانيين وقوى عربية في المنطقة لديها علاقات بعدد من الضباط، استطاعوا تحييد الجيش والحرس؟
في كل الأحوال، سيتبين الخيط الأبيض من الأسود قريباً، وسيتبين خصوصاً هل يتمكن الأميركيون من السيطرة على العراق وتحويله "نموذجاً" لدول المنطقة أم ان الأمر لن يتجاوز تأمين آبار النفط ثم ترك العراقيين يتواجهون في ما بينهم إلى ما لا نهاية. وفي هذا المجال، لا بد من الإشارة إلى ان ما تشهده البصرة والمنطقة المحيطة بها لا يبشر بالخير نظراً إلى ان عمليات النهب للمؤسسات الحكومية قائمة على قدم وساق، فيما تشهد بعض المناطق قتالاً بين فئات عراقية متناحرة. يجري كل ذلك والجيش البريطاني يتفرج وكأنه غير معني بوضع فلقه مع الجيش الأميركي وجاء نتيجة مباشرة لتدخلهما وغزوهما للبلد.
يصعب ان يترحّم أحد على علي حسن المجيد (علي كيماوي) وهو أول سائق لوزير للدفاع يصبح وزيراً للدفاع في تاريخ البشرية، وذلك إذا تبين انه قتل في القصف البريطاني للفيلا التي يقيم فيها في البصرة عادة، ولكن قد يأتي يوم يترحم فيه الناس على الوضع الذي كان قائماً في المدينة في عهد صدام حسين، إذا استمرت الأمور تسير على هذا النحو ودخل الجنوب العراقي حلقة العنف والعنف المضاد.
ثمة مخاوف من ان تسمح القوات البريطانية والأميركية بعمليات ثأر بحجة ان الناس يريدون التنفيس عن كبت عمره يزيد على ربع قرن. هذا ما يقوله عدد من قادة الوحدات في الجنوب العراقي تبريراً لتفرجهم على عمليات النهب والثأر. لكن هؤلاء يشيرون في الوقت نفسه إلى ظاهرة إيجابية تتمثل في دخول القوات البريطانية البصرة بعد "تحييد" وحدات الجيش العراقي بواسطة "بضعة ملايين من الدولارات" هي ثمن لدبابة من النوع المتطور المستخدم في الجيش الأميركي والبريطاني.
قد يكون ذلك صحيحاً وقد لا يكون. لكن لا مفر من طرح الأسئلة الحقيقية المرتبطة بما حصل في العراق. وما يجعل هذه الأسئلة ملحة ان الحدث العراقي كان بمثابة زلزال ستكون له انعكاساته على المنطقة كلها. وأول هذه الأسئلة هل تستطيع الولايات المتحدة السيطرة على العراق وإدارة شؤونه لأشهر عدة إن لم يكن لسنوات من دون ان يكون ذلك احتلالاً؟ أما السؤال الثاني فهو: هل يمكن تفادي حمام دم عبر تحقيق مصالحة حقيقية بين الفئات العراقية المختلفة، أي بين المذاهب والمناطق والعشائر، بين الذين ارتكبوا الفظاعات باسم البعث أحياناً والانتماء إلى تكريت في أحيان أخرى من جهة والناس العاديين من جهة أخرى؟ وربما كان السؤال الأهم ما الذي ستفعله إيران التي لم تكشف أوراقها بعد والتي تعتبر أمن العراق امتداداً لأمنها، هي التي سعت دائماً إلى التخلص من النظام العراقي كونه يشكّل حاجزاً في طريق توسيع نفوذها الاقليمي؟
إذا تبين ان الأميركيين والبريطانيين نجحوا فعلاً في تحييد الجيش العراقي وان حملتهم العسكرية تقدمت إلى بغداد بعد ازاحة الجيش النظامي من طريق قواتهم ما سهل الوصول إلى العاصمة بكمية معقولة جداً من الخسائر، سيكون هناك عندئذ أمل في إعادة اللحمة إلى العراق مناطق ومذاهب وعشائر. فالجيش العراقي وهو من أقدم جيوش المنطقة يظل مدرسة في الوطنية وضمانة لتفادي الحروب الأهلية، وهو وحده القادر على وضع حد لعملية تدمير مؤسسات الدولة في كل أنحاء العراق. إضافة إلى ذلك، سيكون هذا الجيش حامياً لعودة العراق مجتمعاً مدنياً تسوده حياة سياسية طبيعية في ظل تعددية حزبية على غرار ما كانت عليه الحال في العهد الملكي. وأخيراً ان هذا الجيش الذي قاتل إسرائيل لا يمكن أن يقبل بأن يأتي إلى العراق نظام يخرج البلد نهائياً من المعادلة الشرق أوسطية ويضعه في خانة خارج الخانة العربية.
أين الجيش العراقي؟ إذا تبين انه لا يزال سليماً ـ إلى حد ما طبعاً ـ وانه ابتعد عن المعركة كونه يرفض أن يكون جيشاً لنظام معين ويصرّ على انه جيش البلد، فإن ذلك سيكون احدى الايجابيات القليلة في هذا الجو الكالح.. لعل وعسى تنتهي المعركة على خير، حرصاً على الشعب العراقي أولاً الذي لا يستأهل كل هذه العذابات، وحرصاً على المنطقة ثانياً وهي لا تتحمل مزيداً من الهزّات...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.