8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تفادياً للاستسلام لأميركا..

تختلف أميركا مع بريطانيا في شأن مسائل عدة لها علاقة بما يدور في العراق وحوله ومستقبل البلد في حال استطاع الحليفان قلب النظام فيه ودخول بغداد. ونقطة الخلاف الأولى بينهما تتعلق بدور الأمم المتحدة في ظل الإصرار الأميركي على إدارة شؤون العراق مباشرة في مرحلة ما بعد صدام. أما نفطة الخلاف الثانية فقد برزت الأربعاء الماضي عندما اتخذ رئيس الوزراء البريطاني توني بلير موقفاً يعترض صراحة على التوجه الأميركي إلى مهاجمة سوريا وإيران. وهو توجه يثير قلقاً شديداً لدى دول المنطقة نظراً إلى أنه يشير إلى مزيد من الانحياز الأميركي إلى السياسات الإسرائيلية الداعية إلى استغلال الحرب على العراق من أجل إعادة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط بما يتناسب مع ما يدعو إليه ارييل شارون. وشارون يريد باختصار نسف عملية السلام وتكريس الاحتلال أكان ذلك على أرض فلسطين أو في هضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 مع مزارع شبعا اللبنانية.
ما تدعو إليه أميركا يطرح تساؤلات نظراً إلى أن كل المؤشرات تدل على أنها تنوي التفرّد بحكم العراق غير آبهة حتى برأي أقرب حلفائها، أي بريطانيا. وهكذا نجد أن الإدارة الأميركية تهمش المعارضة العراقية وترفض السماح لها بأي نوع من المشاركة في العمليات العسكرية ولسان حالها أنها تريد "تحرير" العراق بمفردها وأن تقول في وقت لاحق أن النظام العراقي تغير بفضل "الدم الأميركي".
إذا كانت بريطانيا قلقة منذ الآن من التوجه الأميركي، فما بال العرب الذين عليهم أن يتحملوا فكرة اختيار الجنرال المتقاعد جاي غارنر مساعد رئيس الأركان الأميركي سابقاً لتولي مهمة إعادة بناء العراق بعد الحرب.
إن غارنر لا يخفي اعجابه بإسرائيل ودفاعه عن سياساتها. فهو زارها في العام 1998 مع وفد من "المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي" وفي السنة 2000 وقع رسالة "تشيد بسياسة ضبط النفس التي تمارسها إسرائيل في مواجهة العنف الفلسطيني وتحث الولايات المتحدة على عدم جعل دورها المسهل لعملية السلام يحول دون تحمل مسؤولياتها كصديق لإسرائيل". وخلص إلى القول: "الأصدقاء لا يتخلون عن أصدقائهم في ساحة المعركة".
هذا باختصار الرجل الذي اختارته الإدارة الأميركية للإشراف على عملية إعادة بناء العراق، وإن دل هذا الاختيار على شيء، فإنه يدل على أن الهدف من العملية العسكرية ليس تغيير النظام فحسب بل إخراج العراق من النزاع العربي ـ الإسرائيلي، أيضاً، وتأتي خطورة هذه الخطوة من زاوية أن المقصود أميركياً وإسرائيلياً، تفادي إيجاد حل للنزاع إلا إذا كان العرب في حال من الوهن تسهل فرض تسويات معينة عليهم، رحم الله الذي قال إن العرب لم يدخلوا مفاوضات سلمية مع إسرائيل إلا وكانوا في حال أضعف من تلك التي كانوا فيها في مفاوضات سابقة.
بالطبع، لا يمكن الدفاع عن النظام العراقي واستمراره في السلطة بعد كل ما فعله بالعراق وشعب العراق، ولكن لا يمكن في المقابل الاستسلام يعني أولاً الابتعاد عن الغوغاء والشعارات الفارغة والتصرفات المضحكة التي تصور العراقيين في حال من الاستنفار والتعبئة على طريقة الشعب الفيتنامي. فالعيش في الوهم شيء والواقع شيء آخر. والواقع يفرض في هذه المرحلة محاولة الاستفادة من مواقف الدول المعارضة للحرب على رأسها فرنسا والمانيا وروسيا، إضافة إلى إبقاء الجسور مع بريطانيا لعل وعسى يساعد ذلك في إيجاد تفاهم على أن تلعب الأمم المتحدة دوراً أكبر من الذي تريده أميركا في عملية إعادة بناء العراق. كذلك يمكن أن تساعد الجسور مع بريطانيا في دعم الجهود التي يبذلها توني بلير مع الرئيس بوش الابن لاقناعه بنشر "خريطة الطريق" في أقرب فرصة بما يؤكد أن شروط التسوية التي تسعى إليها الولايات المتحدة لن تتغير مع حصول التغيير في العراق.
إن "خريطة الطريق" لا تتناول الموضوع الفلسطيني حصراً بل تشكّل محاولة لإيجاد تسوية شاملة في المنطقة بغض النظر عما يحصل في العراق. وعلى الرغم من كل النواقص التي فيها، فإن نشرها سيلزم الإدارة الأميركية عدم التراجع عنها والتنكر لها مستقبلاً..
لا يمكن الرهان على الخلافات البريطانية ـ الأميركية، ولكن في الإمكان العمل على الاستفادة منها، أقله لجهة الحد من الأضرار التي ستلحق بالوضع العربي عموماً، إنها أضرار يمكن أن تفوق تلك التي حصلت بعد كارثة 5 حزيران 1967 حين اعتقد العرب في البداية أنهم انتصروا فإذا بهم يكتشفون بعد أيام أن أقصى ما يستطيعون عمله وصف "الكارثة" بأنها مجرد "نكسة"، لعل ذلك يعينهم على امتلاك جرأة النظر إلى أنفسهم بالمرآة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00