8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أيّ عالم بعد حرب العراق؟

بعد حرب العراق سيتبين ما إذا كان العالم سيبقى محكوماً بالقوة العظمى الوحيدة التي اسمها الولايات المتحدة الأميركية، أم يصبح عالماً بأقطاب عدة على رأسها الولايات المتحدة وأوروبا. في ضوء نتيجة الحرب سيظهر هل تكون أوروبا قادرة على إعلان استقلالها. هل تنتصر وجهة النظر الفرنسية التي ينادي بها الرئيس جاك شيراك، أم تكون الغلبة للرأي البريطاني القائل ان على أوروبا أن تكون دائماً في الخط الأميركي.
من الواضح، ان الذي يشهده العالم حالياً من تطورات لن تكون له انعكاساته على مستقبل العراق والشرق الأوسط فحسب، بل سيحدد أيضاً طبيعة العلاقات الدولية وكيفية التأسيس لعلاقات جديدة بين الدول القوية والكبيرة، والتجمعات الدولية من جهة وأميركا من جهة أخرى.
في الإمكان هذه الأيام، وفي وقت لا تزال فيه المعارك دائرة في أنحاء مختلفة من العراق مقارنة أهمية الحدث وتأثيراته في العلاقات الدولية وموازين القوى العالمية بما حدث عام 1956 عندما حصلت حرب السويس. وقتذاك كان هناك حلف فرنسي ـ بريطاني يريد إظهار ان الدولتين الأوروبيتين ما زالتا تمتلكان وزناً على الصعيد الدولي. وكانت النتيجة ان الولايات المتحدة ذكرتهما بأن حربهما الهادفة إلى الاحتفاظ بقناة السويس تحت إشرافهما وبمساعدة إسرائيل لا علاقة لها بالشرعية الدولية. وكان التذكير كافياً كي تنكفئ فرنسا وبريطانيا ومعهما إسرائيل وتكرس مصر ـ جمال عبدالناصر ـ سيطرتها على السويس بعد القرار التاريخي بتأميم القناة.
تقول مجلة "ذي اكونوميست" في تعليق لها تحت عنوان "من السويس إلى بغداد" ما فحواه ان الهزيمة السياسية التي لحقت ببريطانيا وفرنسا جعلت كلاً من البلدين يستخلص درساً على طريقته. توصلت بريطانيا ممثلة برئيس وزرائها انطوني ايدن الذي أنهت حرب السويس حياته السياسية إلى ان على بلاده من الآن فصاعداً ان تسير في خط السياسة الأميركية وألا تحيد عن الأهداف الاستراتيجية لهذه السياسة. أما فرنسا التي كان رئيس وزرائها وقتذاك غي مولي فقد توصلت إلى نتيجة عكسية عبّر عنها المستشار الالماني اديناور الذي كان مجتمعاً بمولي عندما أبلغ ايدن الأخير ان عليه اتخاذ قرار بوقف النار نتيجة الضغوط الأميركية، قال اديناور لمولي الذي وافق على كلامه: "آن أوان بناء أوروبا".
تحاول أوروبا منذ ذلك التاريخ بناء نفسها. ولكن منذ ذلك التاريخ أيضاً، هناك ثابت لم يتغير يتمثل في التحاق بريطانيا بالسياسة الأميركية أياً تكن هذه السياسة. وفي العام 1990 اعتبرت بريطانيا ان إخراج الجيش العراقي من الكويت مهمتها ولم تذهب مارغريت تاتشر إلى أوربا لإقناعها بذلك، بل توجهت إلى الولايات المتحدة حيث عقدت "مجلساً حربياً" مع الرئيس بوش الأب وضع الأسس لحملة عسكرية واسعة أدت إلى تحرير الكويت.
بعد حرب السويس تغيّر العالم. لم يعد الشرق الأوسط منطقة نفوذ فرنسية ـ بريطانية، إذ دخلته الولايات المتحدة من الباب الواسع. كذلك بدأ يدخله الاتحاد السوفياتي الذي وجه بدوره إنذاراً شديد اللهجة إلى بريطانيا وفرنسا على الرغم من انشغاله بقمع الانتفاضة في بودابست. وكان ان التقت موسكو مع واشنطن بطريقة أو بأخرى معلنتين بداية نظام القطبين العالميين في ظل استمرار الحرب الباردة.
بين 1956 و2003، حلت فرنسا مكان الولايات المتحدة. باريس متمسكة بالشرعية الدولية وواشنطن ضربت بها مع لندن عرض الحائط، هل تكفي الشرعية الدولية والتمسك بها لقيام نظام بأقطاب عدة في عالم ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي؟ هذا السؤال يؤكد أهمية ما يشهده العراق حاليا من تطورات، ذلك انه سيتوقف على نتائج الحرب ما اذا كانت القوة العظمى الوحيدة في العالم ستجد نفسها مضطرة لإعادة حساباتها بما في ذلك إعادة النظر في الموقف من إسرائيل التي تحلم حاليا بتنفيذ ما عجزت عنه عام 1956 حين اضطرت إلى الانسحاب من سيناء من دون قيد أو شرط.
هذه المرة وفي ظل الرعاية الأميركية، تبدو الدولة اليهودية متحررة من أي قيد يلزمها احترام الشرعية الدولية. فما دامت الولايات المتحدة ترفض إقامة أي وزن لمجلس الأمن، تستطيع إسرائيل بدورها ان تتجاهله وأن تضع الف شرط وشرط لتنفيذ "خارطة الطريق" التي تظل ورقة التوت التي يمكن ان تغطي بها اميركا الخطايا التي ترتكبها في الشرق الأوسط.
اذا استطاعت فرنسا حمل اميركا على إعادة النظر بسياساتها سيشكل ذلك انجازاً كبيراً وسيشكل حماية للمنطقة حيث مطلوب المحافظة على العراق ككيان، ليس دفاعاً عن النظام فيه، بل حماية للتوازن الاقليمي من جهة وحماية للعالم من التفرد الأميركي بإدارة شؤونه بطريقة عشوائية بعيدة عن الشرعية الدولية من جهة أخرى.
أي عالم بعد حرب العراق، سؤال مخيف يكفي انه يذكر بمرحلة ما بعد حرب السويس التي اكتفت بتغيير الخارطة السياسية للشرق الأوسط، في حين يمكن ان تتغير هذه المرة خرائط دول يمكن ان يعاد رسم حدودها!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00