عكس كلام الرئيس بوش الابن الاربعاء الماضي ثم تأكيده الخميس وإلى جانبه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن الحرب مستمرة حتى تحقيق أهدافها، تصميماً على التخلص من النظام في العراق أياً تكنِ الكُلَف والأثمان.
ويتحدث الرئيس الأميركي بعد دخول الحرب اسبوعها الثاني بلغة الواثق من الانتصار، إلا أن العبارات التي يستخدمها تظهر في الوقت نفسه أن على أميركا أن تعيد النظر في حساباتها، أقله في المدة التي ستستغرقها هذه الحرب وانعكاساتها على دول المنطقة.
في النهاية، لا شيء ينجح مثل النجاح. ولكن كم سيكلف هذا النجاح، وهلِ التخلص من النظام في العراق ولو كان باهظاً، يوفّر لبوش الابن نجاحاً يضمن له اعادة انتخابه ولايةً ثانية؟
المؤكَّد أن أموراً كثيرة ستعتمد على مدى بقاء الكونغرس متماسكاً ومؤيداً للادارة في سياساتها الحاضرة التي تعتمد كثيرا على تقديرات غير دقيقة للوضع العراقي مصدرها المعارضة، وربما كان بعض المعارضة أعطى معلومات لا علاقة لها بالواقع، نظراً إلى انه لا ينتمي إليه. ولكنْ ثمة، ولا شك، بعضٌ آخر عَرَف كيف يضلّل الأميركيين لإغراقهم في المستنقع العراقي وعن سابق تصوّر وتصميم.
قبل كل شيء، لم يبدر إلى الآن ما يشير إلى أن العراقيين، إلى أي مذهب أو منطقة انتموا، على استعداد لاستقبال الجندي الأميركي والبريطاني بالورود، والأرُزّ بغض النظر عن موقفهم من النظام، ذلك أن ثمة غياباً كاملاً للثقة بالأميركي الذي تصرفي عام 1991 بطريقة سمحت للنظام بقمع انتفاضتي الجنوب والشمال.
هذه المرة، تغيب الثقة، لسبب آخر يُعزَى إلى عدم وجود أميركي واحد يستطيع ان يصدق ما يقوله بوش الإبن عن ان هدف الولايات المتحدة "تحرير العراق" من نظام ديكتاتوري يمثّل "تهديداً" للعالم والمنطقة والولايات المتحدة، هل يستحي رئيس أميركا من قول ما هي الأهداف الحقيقية لبلاده وان هذه الأهداف تحددها مصالحها أولاً وأخيراً.
ليس أمام الادارة الأميركية سوى أن تعيد حساباتها ليس من حيث عدد القوات التي كان مفترضاً أن ترسلها إلى العراق فحسب، بل لجهة التحالفات التي استندت إليها أيضاً. قبل الحرب كان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي يقول إن التحالف الذي اقامته بلاده يضم تسعين دولة. هذا العدد انحدر إلى 48 دولة قبل أيام وعلى لسان الرئيس بوش نفسه. قبل الحرب كانت الأمم المتحدة مهمة. الآن لم تعد كذلك لأنها لم تعد مجرد أداة. وصار مطلوباً تجاوزها حتي في مرحلة "ما بعد تحرير العراق" ويصر على تجاوز الأمم المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب وزير الخارجية كولن باول الذي كان على رأس الذين دفعوا في اتجاه الذهاب إلى الحرب بغطاء منها.
يربط خيط رفيع بين كل القرارات الأميركية المتخذة حتى الآن في شأن العراق. انه خيط الاعتماد على القوة ولا شيء غير القوة. نعم القوة مهمة ولا أحد يشك في أهميتها وفي أن الولايات المتحدة تمثل القوة العظمى الوحيدة في العالم. ولكن إلى جانب القوة لا مفر من العودة إلى السياسة. سياسة زيادة عدد الأصدقاء والحلفاء بدل ممارسة فن استعداء الدول أكانت صديقة مثل فرنسا والمانيا أو صغيرة أو كبيرة أو متوسطة بدءاً بالصين وروسيا وانتهاء بماليزيا التي ترأس الآن حركة عدم الانحياز...
لعل المشكلة الكبرى مع الادارة الأميركية الحاضرة انها لا تتورع حتى عن إحراج حليفها الأول والأخير الذي اسمه بريطانيا فضلاَ عن حلفائها في المنطقة العربية مثل الأردن، وكأن السياسة التي تتبعها، بما في ذلك تجاهل الآخرين، وتجاهل حساسيات أهل الشرق الأوسط، غيرُ قابلة للنقاش.
قبل الحرب، كان العربيّ العاقل يقول إنه لم يبق لدي سوى الصلاة حتى تكون الحرب قصيرة. وتنتهي بأقل كمية من الأضرار. الآن بعدما بدأت الحرب، لم يعد لديه ما يقوله سوى انه لم يبق سوى الصلاة من أجل ان تعيد ادارة بوش الابن حساباتها، وان تستمع على الأقل إلى ما لدى فرنسا ـ جاك شيراك تقوله لها إذا كان ليس وارداً أن تستمع إلى نصيحة عربية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.