فات أوان تقديم أي نصيحة للنظام العراقي وذلك بعد انطلاق الصاروخ الأول فجر الخميس الماضي معلناً بداية الحرب. انها حرب لا يمكن أن تنتهي الا بحصول تغيير في العراق، وهو تغيير كان من الأفضل أن تبادر إليه القيادة العراقية منذ فترة طويلة حفاظاً منها على الشعب العراقي...
لعل الخدمة الأخيرة التي تستطيع هذه القيادة تقديمها الى الشعب العراقي تفادي الألفاظ البذيئة في المؤتمرات الصحافية التي يعقدها كبار المسؤولين، والاستعاضة عنها بكلام يعكس الواقع. والواقع ان الشعب العراقي مظلوم وأن الحرب التي تشن على العراق ظالمة، لكن المشكلة تكمن في أن النظام ارتكب من الأخطاء ما يجعل أميركا وبريطانيا في نظر الكثيرين بما في ذلك بعض العرب أقرب الى مخلّصين للشعب العراقي.
بدل الألفاظ التي لا تمتّ الى السياسة بصلة، من نوع "الأحمق" و"المجرم" و"القزم" و"الوغد" و"النذل" و"الحقير" و"الوسخ"، من الأفضل اللجوء الى لغة ديبلوماسية تساعد في اظهار العراق ضحية لحرب تستهدف ما هو أبعد منه اضافة الى كشف الأخطار التي تتهدد المنطقة كلها جراء العملية العسكرية الكبيرة التي تشنها القوات الأميركية والبريطانية.
قبل كل شيء ان الحرب يمكن أن تخرج العراق نهائياً من المعادلة الشرق الأوسطية كما عرفناها بصفة كونه احدى الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية. والأخطر من ذلك، ان النتائج التي يمكن ان تترتب على الحرب يمكن ان تثير نعرات مذهبية تفتح المجال لاختلالات في المنطقة كلها، خصوصاً في ما بات يعرف بطقوس الأزمات الجديد" الممتد من أفغانستان الى جنوب لبنان مروراً بالخليج والقرن الافريقي.
من الآن، يفترض ان تعقد سلسلة اجتماعات ومشاورات عربية للبحث في مستقبل المنطقة، في التحالفات المستقبلية التي يستطيع العرب اقامتها من أجل الحفاظ على كيانهم الاقليمي الذي بات مهدداً من غير باب. يكفي الحديث هنا عن أن الجرح العراقي سيظل ثغرة تتسلل منها كل الأمراض بدءاً بالتدخلات الأجنبية والنعرات المذهبية. العرب الواعون يفترض ان يكونوا متنبهين الى الأخطاء التي وقع فيها النظام العراقي بغية تفاديها.
من الواضح ان العرب لن يستطيعوا بمفردهم ان يفعلوا شيئاً، والدليل على ذلك العجز الذي ظهر في قمة شرم الشيخ، وهي قمة مفيدة من ناحية وحيدة بكشفها افلاس النظام العربي المعمول به منذ ما يزيد على نصف قرن المتمثل في مؤسسة جامعة الدول العربية.
ان حال الافلاس العربية التي توجت بعدم القدرة على منع القوات الأميركية من استخدام القواعد والتسهيلات الموجودة في هذه الدولة او تلك في الحملة على العراق، لا يمكن ان تمنع الزعماء العرب أو من ينوب عنهم من البحث في مرحلة ما بعد التغيير في بغداد وكيفية مواجهتها. والواضح ان الاستحقاقات التي ستترتب على الحدث العراقي، ستكون من الضخامة ما سيجعل العرب عاجزين عن التعاطي معها بمفردهم. ولذلك ليس أمامهم سوى اعادة ترتيب تحالفاتهم الدولية من دون أن يعني ذلك الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة، وهي مواجهة غير ضرورية في أي حال من الأحوال.
هناك دول أوروبية لها وزنها على رأسها فرنسا وألمانيا يمكن أن تساعد في اعادة بعض التوازن الى المعادلة الشرق أوسطية وهذه الدول متضررة مباشرة من أن الولايات المتحدة مصرّة على رسم الخريطة السياسية للمنطقة وإعادة النظر في التوازنات الدولية من دون أي أخذ للاعتبار لما تمثله.
يتبين من تطورات الأيام الأخيرة، خصوصاً بعد استبعاد فرنسا، ألمانيا، قرار الحرب، وبعد تجاوز مجلس الأمن ان لا بديل من المشاركة في تشكيل تحالفات دولية جديدة. وحدها مثل هذه التحالفات يمكن أن تعوض بعضاً من الخسائر التي تلحق بالوضع العربي عموماً والتي ستستفيد منها دول مثل اسرائيل وإيران وربما تركيا.
أياً تكن نتيجة الحرب على العراق وبغض النظر عن الموقف من النظام، يمكن القول انه لم تكن للعرب مصلحة في هذه الحرب. والآن بعدما تأكد أنه لم يكن في استطاعتهم تفاديها، هل يستطيعون على الأقل الحد من اضرارها ونتائجها الكارثية تضاهي ما وقع فيه النظام العراقي من اخطاء أقرب ما تكون الى سلسلة من الخطايا؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.