تغيّر المشهد السياسي في الكويت بعدما حققت المعارضة بقيادة الاسلاميين فوزا ساحقا في انتخابات مجلس الامة التي جرت اول من امس، اذ باتت تسيطر على 34 مقعدا من اصل خمسين، فيما خرجت المرأة من البرلمان وتكبد الليبراليون (والى حد ما التجار) خسارة كبيرة، بحسب النتائج الرسمية. وتأكدت بذلك المخاوف التي سادت الانتخابات في الثاني من شباط (فبراير) الجاري من صعود المتطرفين السنّة والشيعة والمتعصبين كويتيا الذين تحدوا التركيبة العشائرية والقبلية للبلد، وخصوصا مع ارتفاع اصوات تشير الى ان القاعدة والحرس الثوري الايراني صارا ممثلين في المجلس.
وحقق الاسلاميون السنة المعارضون من تيار الاخوان المسلمين (الحركة الدستورية الاسلامية) والتيار السلفي الانتصار الابرز في الانتخابات اذ باتوا يسيطرون على 23 مقعدا مقارنة بتسعة مقاعد في البرلمان السابق، فيما تقلصت حصة الشيعة من تسعة نواب الى سبعة نواب.
وعزا مراقبون تقدم المرشحين الاسلاميين إلى التحالفات وتبادل الأصوات بين القوى الاسلامية المختلفة (الاخوان والسلف والمستقلون)، فضلا عن نشوة التأثير المعنوي الذي استمدوه من الانتصار الاسلامي في دول الربيع العربي، بينما يرى آخرون ان الأحداث الساخنة التي سبقت الانتخابات والأجواء المشحونة التي خيمت على الساحة الكويتية شكلت عاملا إضافيا لاستنهاض المشاعر الطائفية والقبلية والتعصبية التي صبت في غالبها لمصلحة نواب المعارضة ولا سيما ان الحركة الدستورية الاسلامية (الاخوان) كانت الاقدر على التكتيك الانتخابي والاكثر تنظيما على خوض المعركة.ومع 34 مقعدا في البرلمان مقارنة بعشرين في البرلمان السابق، باتت المعارضة تسيطر بشكل كامل على قرار المجلس، اذ باتت قادرة على تجاوز تأثير تصويت الوزراء غير المنتخبين البالغ عددهم 15 وزيرا عموما والذين يتمتعون بموجب الدستور بحق التصويت في مجلس الامة شأنهم شان النواب.
وأمام الانتصار الذي حققته المعارضة وتراجع التيار الوطني ومن يطلق عليهم ممثلو التجار في الكويت، بدا أن المشهد السياسي في مجلس الأمة يتجه، بحسب مراقبين، نحو مواجهة ستكون حامية الوطيس في ظل التناقضات التي ستجمعها قبة عبدالله السالم (مبنى مجلس الامة) تحت سقفها، وسط تخوف من ازدياد حدة التوتر الطائفي في المجتمع الكويتي مع وصول نواب من السنة والشيعة يعرف عنهم تعصبهم وتطرفهم في المواقف.
وتساءل بعض المراقبين عن صورة المشهد المتوقع بين نائب يعرف بأنه محام يدافع عن منتسبي تنظيم القاعدة (أسامة المناور) وآخر شيعي ممنوع من دخول غالبية دول الخليج بسبب مواقفه المتطرفة ويقول عنه خصومه انه تابع لـالحرس الثوري الايراني (عبد الحميد دشتي)، وبين نائب يحمل لواء الدفاع عن القانون الدولي (عبيد الوسمي) لكنه استخدم الفاظا لم تعهدها الحياة السياسية الكويتية مثل مصطلح الكلاب وآخر يستخدم أكثر الألفاظ استفزازا لمنافسيه خصوصا من أبناء القبائل (محمد الجويهل).
وأمام التحديات الكثيرة والتهديدات المتعددة التي ساقها المتنافسون خلال الحملات الانتخابية وتعهدهم بتنفيذها فور وصولهم إلى البرلمان، ينتظر المراقبون متى يحقق النائب نبيل الفضل وهو زميل كاتب في صحيفة الوطن برنامجه الذي اعلنه في قناة الرأي اي شتم منافسيه في اول جلسة لمجلس الامة لانهم تحججوا بالحصانة البرلمانية عندما كانوا يشتمون خصومهم في المجلس السابق، ومتى ينتف ريش معارضيه وابرزهم نائب الصوت العالي مسلم البراك الذي خرق جدار الصوت بحصوله على 30 الف صوت مؤيد، اي بزيادة 12 الفا عن الدورة الفائتة.
ويرجح المراقبون ان تكون رئاسة المجلس حسمت لمصلحة النائب المخضرم احمد السعدون مايسترو المعارضة كون الحكومة لا يمكنها ان تغامر بدعم مرشح آخر للوصول الى المنصب ومواجهة اكبر كتلة معارضة في تاريخ الكويت، خصوصا ان التركيبة الجديدة للمجلس تظهر ان السعدون هو الاكثر اعتدالا بين مجموعات من المتطرفين حتى ان المحيطين به يخشون من انه قد لا يتمكن ايضا من تهدئة الخلافات النيابية اذا شبت حتى ولو كان حلفاؤه اطرافا فيها.
الى ذلك، ثمة سؤال مهمّ يطرح بقوة وهو هل سيكون في استطاعة عضو من الاسرة الحاكمة تشكيل حكومة جديدة لا تأخذ في الاعتبار الواقع الجديد في مجلس الامة؟ وما قد يكون اهمّ من ذلك النتائج التي ستترتب على المحيط الاقليمي في ضوء هذا الصعود البارز للتطرف الديني والتعصب اللذين لا يعكسان بالضرورة حقيقة المجتمع الكويتي الذي كان يعتبر في الماضي اكثر المجتمعات الخليجية انفتاحا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.