ما هي القوة المرشحة لسد الفراغ الناجم عن إنهيار عدد لا بأس به من الانظمة العربية؟ الواضح الى الآن، ان في الامكان الحديث عن سقوط نهائي لثلاثة انظمة عربية في كل من تونس ومصر وليبيا. هناك انظمة اخرى مرشحة للسقوط ولكن لا بدّ من الانتظار قليلا قبل الاعلان بشكل حاسم عن نهاية هذا النظام او ذاك. لا يمنع الانتظار من ملاحظة ان هناك محاولة واضحة تقوم بها أطراف عدة لإيجاد بديل من الانظمة الحاكمة عن طريق إعادة تأهيل لـالاخوان المسلمين وتحويلهم الى القوة العربية الصاعدة. هل هذا ممكن؟
الجواب ان في الامكان إعادة تأهيل الاخوان في ضوء التجربة التركية. ولكن هل التجربة التركية قابلة لان تتكرر في هذه الدولة العربية او تلك، خصوصا في مصر وتونس وليبيا؟ بغض النظر عن الجواب عن مثل هذا النوع من الاسئلة، لا مفرّ من الاعتراف بان الاخوان المسلمين صاروا قوة لا يمكن الاستهانة بها باي شكل. لعبوا دورا اساسيا في إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي ثم الرئيس حسني مبارك. لولا الاخوان والاتفاق الضمني الذي عقدوه مع المؤسسة العسكرية، لما كان في الامكان ايجاد هذا الفراغ الامني في القاهرة. انه الفراغ الذي وجد الرئيس مبارك نفسه بعده عاجزا عن البقاء في السلطة.
يبدو الاخوان حاليا في صدد إعادة تنظيم صفوفهم في ليبيا وإعداد انفسهم لمرحلة ما بعد الجماهيرية. كذلك، بدأوا يخرجون عن صمتهم في سوريا ويعدون انفسهم للمشاركة في الانتفاضة الشعبية الطويلة التي تبدو ارض البلد مهيأة لها. امّا في اليمن، فان الاخوان يلعبون، عبر القيادات الوسطى، دور العمود الفقري في المواجهة مع الرئيس علي عبدالله صالح. في النهاية، يستفيد الاخوان من المشاكل التي يعاني منها البلد، في شمال الشمال والجنوب والوسط، لخلق اوضاع غير مستقرة داخل صنعاء نفسها وصولا الى تنحية الرئيس. تبدو المعركة طويلة حتى لو وقعت كل الاطراف اتفاقا في شأن انتقال السلطة قبل انهاء الرئيس ولايته الدستورية!
في ظل الاوضاع المعقدة التي تعاني منها ليبيا والتي تحمل الاخوان على التريث في كشف نياتهم الحقيقية، لا بدّ من ملاحظة ان طموحاتهم في كل من تونس ومصر باتت واضحة المعالم. ففي تونس على سبيل المثال، استطاعوا الظهور في مظهر الحزب الوحيد المنظم القادر على خلافة النظام القائم منذ الاستقلال في العام 1956 والذي تناوب عليه الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. هناك وجود قوي لـالنهضة في كل انحاء تونس، خصوصا في العاصمة. انهم الحزب الوحيد القادر على حشد الجماهير في المهرجانات التي يقيمها. تبين بالملموس ان النهضة، وهي الاسم الذي يستخدمه الاخوان في هذا البلد، تستطيع تقديم خدمات كثيرة للناس العاديين بما في ذلك توفير اساتذة يعطون دروسا خاصة للتلاميذ لاعدادهم للامتحانات! اكثر من ذلك، يشرف الاخوان على حملات نظافة وعلى جمعيات خيرية توفر المساعدات للمحتاجين. من اين يأتي الاخوان بكل هذه الاموال؟ هل صحيح ان مصدرها اعضاء النهضة الذين يتبرعون للحركة بنسبة خمسة في المئة من رواتبهم؟ هل من ساذج يمكن ان يصدّق هذه الرواية؟ الأهم من ذلك، ان الخطاب الذي يعتمده قياديو النهضة يتسم بالانفتاح ورفض الاعتداء على الحريات العامة، بما في ذلك الملبس والشراب. من اجل الوصول الى السلطة، يبدو كل شيء مسموحا به. ولكن ماذا بعد السيطرة التامة على مقاليدها، هل يتصرف الاخوان في تونس كما تصرّف ولا يزال يتصرّف الاخوان في تركيا، ام يعيدون تجربة زين العابدين بن علي ولكن تحت شعارات مختلفة وبزيّ جديد يغطون به رغباتهم في تغيير طبيعة المجتمع على غرار ما تفعله حماس في غزة؟
في كل الاحوال، سيتبيّن في الرابع والعشرين من تمّوز- يوليو المقبل، موعد الانتخابات العامة، هل هناك مقاومة تونسية لاي عودة الى خلف. بكلام اوضح هل سيدافع التونسيون عن المكتسبات الاجتماعية التي تحققت في عهدي بورقيبة وحتى زين العابدين بن علي؟ الامر الوحيد الثابت ان لا مجال بعد الآن لاي تجاهل لما يمثله الاخوان المسلمون في البلد وللدور الحاسم الذي سيلعبونه في مجال تحديد مستقبله.
ما ينطبق على تونس ينطبق الى حدّ كبير على مصر. المعادلة في اكبر بلد عربي في غاية البساطة. هناك قوتان منظمتان في مصر. هناك المؤسسة العسكرية وهناك الاخوان المسلمون. السؤال الى اي حدّ درجة اختراق الاخوان للمؤسسة العسكرية؟ كل ما تبقى تفاصيل لا تستحق الكلام عنها. الثابت الى الآن، ان هناك اختراقا كبيرا للمؤسسة العسكرية قد يكون افضل تعبير عنه تولي السيد عصام شرف رئاسة الحكومة من جهة وما يتعرّض الرئيس حسني مبارك وافراد عائلته من جهة اخرى. ليس سرّا ان شرف ليس بعيدا عن الاخوان. كذلك، ليس سرّا انه لو ترك الامر للمؤسسة العسكرية التي ينتمي اليها مبارك، لكان القضاء اكتفى بملاحقة زوجته وابنيه من دون اذلالهما والاكتفاء باستعادة اي اموال يمكن ان تكون دخلت جيوبهم بطريقة غير قانونية!
انها مرحلة ما بعد الثورات العربية. هناك عامل جديد لم يعد في الامكان تجاهله. اسم هذا العامل الاخوان المسلمون. هل تغيّر الاخوان وصاروا عاملا مساهما في تطوير المجتمعات العربية عن طريق دولة المؤسسات التي يحكمها القانون... ام يصدق فيهم المثل الفرنسي القائل: كلما تغيّرت الامور، كلما تبين انها لا تزال على حالها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.