8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

نتيجة الإصرار على السلطة والثروة والتوريث...

في انتظار استقرار الشرق الاوسط الجديد على صيغة ما، يفترض بنا ان نتذكر باستمرار ان مسلسل المفاجآت الذي بدأ بتونس وامتد الى مصر ثم ليبيا لن يتوقف قريبا. في الاساس، كان الزلزال العراقي في العام 2003. ما تعرض له العراق اخلّ بالتوازن الاقليمي. عندما دخل الاميركيون العراق من اجل قلب النظام العائلي- البعثي، سبقهم البرنامج الذي أقرته المعارضة العراقية في لندن. عقدت المعارضة برعاية اميركية- ايرانية مكشوفة مؤتمرا في كانون الاوّل من العام 2002. صدر عن المؤتمر بيان تحدّث للمرة الاولى في تاريح العراق الحديث عن الاكثرية الشيعية في العراق وعن الفيديرالية. الى الآن، ليس معروفا كيف سيكون مستقبل العراق، خصوصا بعدما بدأ الاكراد يطالبون بحق تقرير المصير، وهو حقّ من حقوقهم، بعدما صار توزيع المناصب يتم على اسس مذهبية. الامر الوحيد المعروف ان احدى ركائز النظام الاقليمي، الذي قام نتيجة انهيار الدولة العثمانية مطلع العشرينات من القرن الماضي، اي قبل ما يزيد على تسعين عاما، لم تعد موجودة. وما نشهده هذه الايام هو انهيار لأنظمة تسببت به، الى حد ما طبعا، حال اللاتوازن الذي يعيشها الشرق الاوسط حيث فقد كثيرٌ من الحكام البوصلةَ السياسية. بل ما نشهده حاليا اعادة رسم لحدود دول معينة. الظاهر ان تقسيم السودان ليس سوى بداية...
ما يدعو ايضا الى توقع استمرار المفاجآت، اصرار انظمة معينة على رفض اي نوع من التداول السلمي للسلطة وهو ما ادى الى اختناقات سياسية نتيجة الاصرار على تمسك الحاكم وافراد عائلته بالسلطة والثروة في آن مع اصرار على اعتماد التوريث. فالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي لديه ابن واحد، ما زال صغيرا، من زوجته الثانية السيدة ليلى طرابلسي، كان على استعداد حتى لتوريث زوجته في انتظار ان يكبر ابنه او ان تتوافر الظروف المناسبة لإحلال صهره صخر الماطري في الرئاسة. اكثر من ذلك، كان افراد العائلة الرئاسية على استعداد لتجميع مصادر الثروة وجعلها حكرا لهم. لم يعد هناك من هو قادر على الدخول في اي استثمار من اي نوع كان في تونس من دون شريك من العائلة. كان ذلك يحصل في بلد حقق تقدما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ولكن بدا واضحا ان التونسيين ليسوا مستعدين للعيش في ظل نظام يحتقر المواطن ويعتبره رقما.
ما ينطبق على تونس، ينطبق ايضا على مصر حيث كان في استطاعة الرئيس حسني مبارك القيام بنقلة نوعية وربما التمكن من نقل السلطة الى نجله جمال لو اقدم على الاصلاحات المطلوبة في الوقت المناسب بدل التمسك بالرئاسة على الرغم من المرض والتقدم في العمر حتى لو كان ذلك على حساب مصر ودورها الاقليمي. لم يدرك مبارك، بسبب عناده اوّلا ومستشاريه والمحيطين به وبعائلته من كبار رجال الاعمال ثانيا، ان مصر تغيّرت، وان هناك جيلا جديدا تهمه الحياة السياسية ويسعى قبل اي شيء آخر الى ان يكون جزءا من السلطة ومن حياة ديموقراطية يطمح اليها. المهم الآن ألاّ تبقى طموحات شباب مصر مجرد طموحات، خصوصا ان ليس ما يشير الى ان مصر ما بعد مبارك مقبلة على تطورات ايجابية تصبّ بالضرورة في مصلحة شباب ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011.
لعل جماهيرية معمّر القذافي تشكل المثل الصارخ على اصرار عائلة على الاستحواذ على السلطة والثروة. كانت ليبيا آخر هموم معمّر القذافي الذي اعتقد انه دجّن شعبه بعدما صرف اربعين عاما على إفقاره. لم يدرك ان الليبيين ما زالوا ليبيين وان ولاءهم الاول لليبيا وليس لـالجماهيرية، وان كبارهم يترحّمون على العهد الملكي الذي كان عهد ازدهار وبحبوحة وديموقراطية. في العهد الملكي، على الرغم من ان إمكانات ليبيا كانت متواضعة، لم تكن هناك بيوت صفيح يعيش فيها مواطنون ليبيون عند اطراف بنغازي... ولم تكن هناك مغامرات من اي نوع كان، بما في ذلك تمويل منظمات مارقة فلسطينية وغير فلسطينية اهتمت بتدمير وسط بيروت وفنادق العاصمة اللبنانية بدل ان تهتم بفلسطين والفلسطينيين!
ليست الشكوى من الاعلام التي تجمع بين بن علي ومبارك والقذّافي فحسب، بل هناك ايضا تلك الرغبة في الجمع بين السلطة والثروة والتوريث. هذه الرغبة كانت بين الاسباب التي اطاحت الثلاثة، ويمكن ان تطيح انظمة اخرى في المنطقة. ولكن ما يمكن اعتباره حاليا قاسما مشتركا بين الثورات الثلاث ان مستقبل الدول التي قامت فيها صار غامضا. تونس الى اين؟ مصر الى اين؟ ليبيا الى اين؟
من الباكر الاجابة عن هذه الاسئلة. لكن الثابت ان ما شهدته الدول الثلاث جزء لا يتجزأ من التحولات الكبيرة في المنطقة. من الآن، يمكن الانتقال الى طرح اسئلة مختلفة. على سبيل المثال وليس الحصر: ما مدى هذه التحولات وكم ستستمر قبل ان تبلغ نهايتها؟ هل تبقى منطقة الخليج بعيدة عنها، خصوصا في ضوء ما مرّت وما تمرّ به البحرين وحتى سلطنة عُمان؟ ماذا عن الدول غير العربية في المنطقة، عن اسرائيل وايران وتركيا تحديدا؟ كيف ستتأثر بما يدور في الشرق الاوسط؟ اقل ما يمكن قوله انها اسئلة محيرة، نظرا الى ان معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة فوجئت بالمشهد الشرق اوسطي الجديد. اكثر ما يدل على ذلك، الحيرة الاميركية والاوروبية حيال ما يجري في ليبيا وما اذا كان المطلوب التدخل عسكريا في هذا البلد ام لا.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00